مكث الرسول يدعو في مكه
مكث الرسول يدعو في مكه 13 سنة .
اختُلف في تحديد المدة التي أقامها الرسول بعد النبوة في مكة لما ورد في الحديثين : عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلَا بِالْقَصِيرِ، وَلَيْسَ بِالْأَبْيَضِ الْأَمْهَقِ وَلَا بِالْآدَمِ وَلَا بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلَا بِالسَّبِطِ، بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وَتَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةً وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، والحديث الآخر عن ابن عباس رضي الله عنه : (بُعِثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّ الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَرْبَعِينَ سَنَةً، فَمَكُثَ بِمَكَّةَ ثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، يُوحَى إِلَيْهِ، ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ، فَهَاجَرَ عَشْرَ سِنِينَ، وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ).
اجتمع جمهور أهل العلم على أن النبي صلَّ الله عليه وسلم أقام بمكة بعد البعثة النبوية ثلاث عشرة سنة، وقبل النبوة أقام النبي بمكة أربعين سنة، وأقام بالمدينة عشر سنوات، ومات وهو ابن ثلاث وستين سنة، يقول النووي رحمه الله : (وَاتَّفَقُوا أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ بَعْد الْهِجْرَة عَشْر سِنِينَ، وَبِمَكَّة قَبْل النُّبُوَّة أَرْبَعِينَ سَنَة، وَإِنَّمَا الْخِلَاف فِي قَدْر إِقَامَته بِمَكَّة بَعْد النُّبُوَّة، وَقبلَ الْهِجْرَة، وَالصَّحِيح أَنَّهَا ثَلَاث عَشْرَة، فَيَكُون عُمْره ثَلَاثًا وَسِتِّينَ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ بُعِثَ عَلَى رَأْس أَرْبَعِينَ سَنَة هُوَ الصَّوَاب الْمَشْهُور الَّذِي أَطْبَقَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاء).
وقال ابن كثير رحمه الله بعد أن ذكر الاختلاف : (وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ عَنْ أَنَسٍ، لِأَنَّ الْعَرَبَ كَثِيرًا مَا تَحْذِفُ الْكَسْرَ)، أي أنهم يحذفون ما فوق العشرة، أو العشرين، وهكذا، والطريقة الثانية للتوفيق بين الحديثين هي أن من قال ثلاث عشرة سنة قد عد من أول نزول الوحي، وأما من قال عشرًا فقد عد من أول تتابع الوحي بعد فترة فتوره.[1]
كم سنة قضاها الرسول في المدينة بعد الهجرة
قضى الرسول في المدينة بعد الهجرة 11 عاماً .
قضى الرسول صلّ الله عليه وسلم أحد عشر عامًا بالمدينة، وصل إلى قباء يوم الاثنين الثامن من ربيع الأول في السنة الثالثة عشرة من البعثة، وتوفي صلّ الله عليه وسلم يوم الاثنين في الثاني عشر من ربيع الأول من السنة الحادية عشر من هجرته، وكان يسافر للحج، والعمرة، والغزو خلال هذه الفترة.
أقام الرسول صلّ الله عليه وسلم في مكة ثلاثة عشر عامًأ قبل الهجرة، والخروج من مكة هربًا من الاضطهاد، ونزوحًا من أجل التبليغ بالدين الجديد، ففي البداية حينما اشتد العذاب على من آمن مع الرسول صلّ الله عليه وسلم أمر الرسول أصحابه بالهجرة إلى الحبشة، وقال عنها الرسول : (فإن بها ملكًا لا يُظلم عنده أحد، وهي أرض صدق، حتى يجعل الله لكم فرجًا مما أنتم فيه)، وكانت الهجرة الأولى في الإسلام.
أمر الرسول بالهجرة إلى المدينة بعد بيعة العقبة الأولى، فبدأ أصحابه صلَّ الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة أفردًا، وجماعات، وصل النبي المدينة في ضحى يوم الإثنين، الموافق 12 من ربيع الأول للسنة الأولى من الهجرة، وبدأ في نشر دعوته.[2][3]
أفضل بقاع الأرض
أفضل بقاع الأرض مكة ثم المدينة .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( أَفْضَلُ الْأَرْضِ فِي حَقِّ كُلِّ إنْسَانٍ : أَرْضٌ يَكُونُ فِيهَا أَطْوَعَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ، وَلَا تَتَعَيَّنُ أَرْضٌ يَكُونُ مُقَامُ الْإِنْسَانِ فِيهَا أَفْضَلَ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْأَفْضَلُ فِي حَقِّ كُلِّ إنْسَانٍ بِحَسَبِ التَّقْوَى وَالطَّاعَةِ وَالْخُشُوعِ وَالْخُضُوعِ وَالْحُضُورِ، وَقَدْ كَتَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إلَى سَلْمَانَ : هَلُمَّ إلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ؟ فَكَتَبَ إلَيْهِ سَلْمَانُ : (إنّ الْأَرْضَ لَا تُقَدِّسُ أَحَدًا، وَإِنَّمَا يُقَدِّسُ الْعَبْدَ عَمَلُهُ)، فأفضل الأراضي هي الأرض التي يعينك العيش فوقها على طاعة الله تعالى، وحسن عبادته، ولكن من حيث الفضائل، فإليك فضائل مكة التي تمتاز بها عن المدينة :
الصلاة في المسجد الحرام في مكة خير من مائة ألف صلاة في أيٍ من المساجد الأخرى فيما عدا المسجد النبوي، حيث أن الصلاة في المسجد النبوي بألف صلاة.
تختص مكة دون غيرها من المدن بالحج، والعمرة، والطواف بالبيت الحرام، والحجر الأسود، والركن اليماني، والسعي بين الصفا، والمروة.
أقسم الله بمكة في كتابه العزيز، قال : (لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ).
حرَّم الله تعالى مكة يوم خلق السماوات، والأرض، ولم يحرَّم غيرها من المدن، ولا حتى المدينة.
حرَّم الله مكة تحريمًا أكبر من تحريم المدينة، قال الشيخ عثيمين رحمه الله تعالى : (المدينة محرمة، ولها حرم، لكن حرمها دون حرم مكة بكثير، حرم مكة لا يمكن يأتيه أحد من المسلمين، لم يأته أول مرة، إلا محرما يجب عليه أن يحرم، والمدينة ليست كذلك).
المدينة هي دار الهجرة
تعتبر المدينة دار الهجرة، ودار الجهاد، والمكان الذي جمع المهاجرين، والأنصار، وهي مُنطلق الغزوات، والسرايا، وفيها نزلت آيات الأحكام، والشرائع من كتاب الله، وبعد أن فتح الرسول صلَّ الله عليه وسلم مكة لم يستقر بها، وإنما عاد إلى المدينة واستقر بها حتى مات، ودُفن بها، فقد رُوي في البخاري، ومسلم عن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قال : (قَالَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَأَعْطَى قُرَيْشًا : وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا لَهُوَ العَجَبُ، إِنَّ سُيُوفَنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَاءِ قُرَيْشٍ، وَغَنَائِمُنَا تُرَدُّ عَلَيْهِمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَا الأَنْصَارَ، فَقَالَ : (مَا الَّذِي بَلَغَنِي عَنْكُمْ ؟)، وَكَانُوا لاَ يَكْذِبُونَ، فَقَالُوا : هُوَ الَّذِي بَلَغَكَ، قَالَ : ( أَوَلاَ تَرْضَوْنَ أَنْ يَرْجِعَ النَّاسُ بِالْغَنَائِمِ إِلَى بُيُوتِهِمْ، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بُيُوتِكُمْ؟ لَوْ سَلَكَتِ الأَنْصَارُ وَادِيًا، أَوْ شِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ أَوْ شِعْبَهُمْ).
عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ القُرَى ، يَقُولُونَ يَثْرِبُ ، وَهِيَ المَدِينَةُ، تَنْفِي النَّاسَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ)، قال النووي رحمه الله في شرح الحديث : (ذَكَرُوا فِي مَعْنَى أَكْلُهَا الْقُرَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا مَرْكَزُ جُيُوشِ الْإِسْلَامِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ، فَمِنْهَا فُتِحَتِ الْقُرَى، وَغُنِمَتْ أَمْوَالُهَا وَسَبَايَاهَا، وَالثَّانِي مَعْنَاهُ : أَنَّ أَكْلَهَا وَمِيرَتَهَا تَكُونُ مِنَ الْقُرَى الْمُفْتَتِحَةِ، وَإِلَيْهَا تُسَاقُ غَنَائِمُهَا).
تمتاز المدينة بأن بها المسجد النبوي، والروضة الشريفة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي)، كما أن بها وادٍ مبارك، وهو : (وادي العقيق)، عن ابْن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، إِنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ : (سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَادِي العَقِيقِ يَقُولُ : (أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي، فَقَالَ: صَلِّ فِي هَذَا الوَادِي المُبَارَكِ ، وَقُلْ: عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ ).
ومما اختص الله به المدينة أن من أراد ألها بسوء أهلكه الله تعالى، فقد ورد في البخاري، ومسلم عن سعد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: (لاَ يَكِيدُ أَهْلَ المَدِينَةِ أَحَدٌ، إِلَّا انْمَاعَ كَمَا يَنْمَاعُ المِلْحُ فِي المَاءِ)، فهنيئًا لمن رُزق العيش في المدينة.[4]