في البدايه أرغب بشكر أخي الغالي على مساعدته الراائعه حقااا في التدقيق الأملائي وأيضاً ايجاد بعض الصور ..هونتوني اريغاتوو
كذلك شكراً لك نجمتي الجميله على المساعده
وأيضا شكراً لكل من أقام هذه المسابقه ومن شارك بها ومن تحمس لها شكراً لكم من القلب على جعل هذه المسابقة أكثر متعه
(( هذه أول تجربه لي في الواقعي ..أرجو أن أكون قد وفقت بهذا التصنيف ))
التصنيف : واقعي - حزن –دراما - خيال
سماء صافية تسبح فيها سحبٌ رقيقة ، نهر هادئ تتحرّك فيه أمواجٌ خفيفة ، وهواء عليل تسيّره أنغام الرياح الهادئة , أما الشمس ، فحدّث عن جمالها و لا حرج ، إنّها الآن في لحظات الغروب ..عجيب أمرها ! جميلة هي في الغروب كالشروق ! في تلك اللحظات جلست أراقب ذلك المنظر الذي يطل على المدينة التي أعيش فيها ، إنّها مناظر تتسلل برّقة إلى فكري ؛ لتدغدغ ذكرياتي الحزينة ،وتسيطر على كياني ؛ لتحرّك أشجاني وآلامي , لتذكرني بذلك الأمل التي أردته بشدة ...
أسف أعذروني فلم أعرفكم من أنا :
أدعى آرثر أنا في السابعة عشر من عمري ...هذه أخر سنة لي في الثانوية ,
سعادتي لا توصف فأنا أخيراً سأحقق حلمي بارتياد الجامعة العسكرية لأصبح طيارا في الجيش وأتمكن من تقديم ولو القليل من أجل البلاد التي عشت على أرضها والتي تمتعت بخيراتها , أحببت ضحكاتها ونسماتها , أطفال يلعبون , نساء يعملون , ولكن ..... الحرب لا ترحم أحداً...إنها تسلب منا كل شيء غالٍ أحببناه..تلك السماء الصافية التي كانت تسبح بها السحب لم تعد موجودة...فهي الآن مغطاة بتلك الطائرات التي تقصف وتدمر كل ما هو أخضر ويابس...ذلك النهر الهادئ لم يعد كذلك , فقط أصبح ممتلئاً بدماء وجثث أبناء بلادي من مختلف الأعمار , ذلك الهواء العليل والتي كانت تسيّره أنغام الرياح أصبح هواءً ملوثاً بالدخان والسموم , وماذا أقول عن الشمس والتي لطالما أحببتها بشروقها وغروبها ... وكأن الشمس هي الأخرى قررت أن تحزن على بلادي ..وترتدي ثوب العزاء على تلك العيون الباسمة وتلك الضحكات الجميلة .
لطالما قال لي والدي أن الأمل سيكون موجودا دائماً وأن علينا أن نثق بوجودهِ ... وأن تلك الأحلام مهما بدت صعبة ومستحيلة التحقق فإن بوسعنا أن نجعلها تتحقق إن آمنا بذلك , والدي كان مثلي الأعلى في هذه الحياة , لذا كان كل كلامه لدي مهم جداً وأن علي أن أطبقه وبسبب ما كان يقوله لي والدي كنت شخصاً كثير التفاؤل , رغم الحزن والأسى بسبب هذه الحرب التي لا تريد أن تترك بلادي وشأنها , وكأنهُ كتب على بلادي الحرب الدائمة , ومع ذلك كنت دائماً أتكلم بتفاؤل وأقول أن بوسعي أن أحقق حلمي مهما بدا صعباً , أجل بوسعي أن أصبح طياراً في الجيش وأن أساعد بلادي في طرد هذه الأفعى التي نشرت سمومها ودمرت بلادي الغالية , أجل سأعيد تلك الضحكات والصيحات سأفعل هذا .
والدي لم يكذب علي فأنا حقاً سرت على الطريق التي أريدها...تلك الحروب البغيضة لن تردعني مهما بدت قاسية ومهما خسرنا أحبائنا لن أترك تلك الحرب تقضي على أملي ...هذا ما ظننته في البداية .
أنا في الجامعة الآن .....هذه سنتي الأولى ...تمكنت أخيراً من دخول الكلية التي لطالما حلمت بها .. الكلية العسكرية سأصبح طياراً نعم سأصبح كذلك حقًا....كانت جامعتي بعيدة عن منزلي , والدي لم يعارض فكرة ذهابي إلى هناك لأدخل الجامعة ولكن والدتي كانت تبكي وبحرقة لفراقي فهي تدرك تماماً خطورة الحرب وتخشى علي , ما أرق قلب الأم حقاً ..إنها تبكي نعم تبكي كطفل فقد والدته , لم استطع أن أتمالك نفسي وأنا أراها تبكي أسرعت لحضنها وبدأت بالبكاء معها , عندما أفكر الآن أقول في نفسي لما كنت أبكي بتلك الحرقة معها مع أنني ذاهب للدراسة ,
ولكن بعد فترة قضيتها في الجامعة وعندما عدت للمنزل لأول مرة منذ شهرين عرفت سبب ذلك البكاء , أجل لقد فقدت صورة كانت تعني ليّ الحياة , فقدت من كان يسكن قلبي ويملئ علي وحشتي , لقد فقدت ..... فقدت من سهر الليالي من أجل راحتي , دموعي تتساقط لتروي تلك الأرض التي غطتها دماء أحبتي , لقد غاصت ابتسامتي بغياهب الحزن , بدأت بالصراخ اللاشعوري , السماء بدأت بالإمطار وكأنها كانت تشاركني حزني هذا , آآآآه لما لا يشعر البشر القساة , حتى السماء حزنت معي ,
لماذا هذه الحروب التي لا معنى لها سوى القتل والدمار , ماذا ستكون نتيجة كل تلك الحروب .
أسأل نفسي أحيانا متى بدأت بالشعور بتلك الطريقة , متى تحول تفاؤلي إلى يأس , متى صارت سعادتي حزنا ؟ اتسائل متى .. بقيت عدة أيام وأنا لا زلت في صدمة من كل ما جرى فقد خسرت ملاذي الآمن , فالنار تغلي في قلبي , والدموع تملئ عيني , الحزن قرر أن يكون صديقي المقرب , لم يدع للسعادة مجالاً كي تقترب مني , علامات اليأس كانت واضحة علي , فكل من يراني كان يمكنه وببساطة أن يميز اليأس الذي أصبحت مثالاً أضرب به !!
قررت العودة للجامعة مازلت أحاول أن اخدع نفسي بتلك الكلمات , مازلت أريد أن أصدق أن اليأس لا يمثلني وأنني لستُ يائساً ولكن اختفت ابتسامتي وغصة الآلم ملئت قلبي الحزين وغلفته بذلك اللون الكئيب , أصبحت مهملاً في دروسي , الأساتذة يوبخونني دائماً لما هذا التراجع في المستوى ؟!!!
ماذا علي أن أقول ؟ فكلماتي تناثرت في سطور الحزن , حروفي نقشت حزناً في كل جملة أقولها, كنت على وشك أن أصل لهاوية الحزن واليأس ولكن .... لكن ظهر الأمل فجأة , أنتم لا تصدقونني , في الواقع أنا الآخر لا أصدق نفسي أيضاً !! ، كيف تحولت إلى شخص متفائل , استعدتُ كلمات والدي المتفائلة , قد تتساءلون كيف حصل هذا ؟ فكيف تغيرت وماذا حصل ؟! أجل أنتم محقون سأقول لكم ببساطة بسبب ذلك الشعاع من بصيص الأمل , ذلك الشعاع تجسد في هيئة فتاة قد عزفت بأنغام السعادة التي سطرتها كلماتها بتلك السيمفونية التي لم يسبق لي سماعها أو اعتقد أنني سمعتها من قبل ولكن أوتار الحزن غطت عليها ,
اقتربت الفتاة مني بعد أن كنت جالساً بالقرب من باب الجامعة وأنا أفكر ماهو المصير الذي سأتجه إليه , مع أن مستقبلي كان مظلماً , نور الفتاة ظهر ليشع في سماء مستقبلي , جلست بقربي وبدأت تحدق بوجهي وعلامات الاستغراب والتساؤل كانت واضحة جداً على وجهها , كان واضحا أن هنالك كلام تريد قوله لي , ولكنني لم أعرها أي أهتمام , بدأت عيناها تشعان بالبريق , لم يكن بريقاً عادياً بل كان أشبه بأنه نور ساطع يريد وبقوة أن يطرد ذلك الظلام الذي تلون به قلبي .... نطقت أخيراً وقلت هل من خدمة أقدمها لك ؟! إبتسامة رأيتها من قبل حاولت أن أتذكر لكن ذاكرتي خانتني ولكن تلك الابتسامة كانت حتماً مختلفة فهي كانت إبتسامة زرعت في نفسي راحة وطمأنينة , إبتسامه أعطتني إحساساً خاصاً لم أفهم معناه في بداية الأمر , بعثت لي بكلمات تحتوي جروح أليمة ذكرتني بحزني , كانت كلماتها واضحة ولا تفسير لها سوى تفسير واحد ! (( هل فقدت عائلتك في الحرب ؟ )) أجل , نطقت بكلمة واحدة فقط لم أرغب بأن أجيبها في البداية ولكن يبدو أن قلبي ما عاد يتحمل فكلماتها خالطت مشاعري لأناس أحببتهم , لأناس خسرتهم وأصبحوا بالأرض مندثرين , لم أتمكن حتى من إيجاد جثثهم , بدأت مشاعري تسيطر علي , دموعي بدأت بالنزول كالميزاب ,
ما هذا ؟!! لما أظهرت لها ضعفي , ولكن اكتفت بجملة واحدة كانت كالصاعقة أحرقت قلبي (( أنا أيضاً خسرت عائلتي في الحرب )) ما الذي تقوله هذه الفتاة ؟ أعتقد أنني لم أسمع جيداً ما قالته الآن ؟ هل قالت خسرت عائلتي ؟!! أجل أنا متأكد من أنني سمعتها تقول هذا ... إذاً لما هي تبتسم ؟!! لما هي تضحك ؟!! لما هي متفائلة جداً ؟!! كنت أرغب بسؤالها ولكن حزني وألمي منعاني من ذلك , ولكن يبدو أنها فهمت من ملامح وجهي أني أرغب بسؤالها .....
أبعدت نظرها عني ورفعت وجهها نحو السماء , تأملت تلك السماء التي غطتها غيوم الدخان المتصاعد من الحرب .. أغمضت عينيها قليلاً , الرياح هبت بلحظة واحدة بدأ شعرها الأسود الطويل بالتطاير , هدأت تلك العاصفة التي شعرت بها وأنا أتأمل تلك الفتاة الغريبة .....فتحت الفتاة عينيها العسليتين ونظرت إلي بوجه مبتسم ولكن ملامح الحزن كانت واضحة عليه ..قالت لي : (( أخبرني عندما تحزن ماذا تفعل ؟ )) لا أدري هل كان السؤال صعباً أو أنني لم أرغب بالحديث ؟! فضلت السكوت ولكن الفتاة سألت مرة أخرى (( ماذا تفعل عندما تتحول الابتسامة إلى حزن ؟ )) صمت مجدداً, أسئلتها كانت سهلة جداً ولكن رغم هذا لم أجد جواباً لها ...طرحت الفتاة سؤالاً آخر (( ماذا تفعل عندما تشعر أن قلبك امتلئ بالحزن وما عاد فيه مجال لحزن آخر )) ....(( ماذا تفعل عندما ترى مستقبلاً أصبح مظلماً ولا ترى بصيص أمل له )) ...
عندها شعرت أنها تتحدث عني بالفعل !! ..فكل الأسئلة التي طرحتها كانت متجسده لي وكأنها قرأتني ....نطقت وأخبرتها لا أعرف ماذا أفعل ...ضحكت بإبتسامة ساخرة ولكنها كانت لطيفة وقالت لي (( بالتأكيد أنت لا تعرف فلو كنت تعرف لما كانت حالك هذه )) عندها غضبت منها لسخريتها مني وأخبرتها بنبرة غضب واضحة ...أخبريني إذاً أنت ماذا تفعلين ؟ تغيرت تلك الضحكة الساخرة إلى ضحكة لطيفة داعبت قلبي الحزين وقالت (( ببساطة أنا لا أشعر أنني خسرتهم )) صدمت كثيراً من الكلام الذي سمعته منها ؟ ماذا تعني هذه الفتاة ؟ هل جنت !! بلاشك لقد جنت فأي عقل يقبل هذا الكلام... وجهت نظري إليها وكانت تدرك تماماً أنني لم أقتنع بكلامها ...لذا أردفت قائلة على كلامها السابق (( ما عنيته بكلامي السابق أنني أتذكرهم دائماً ولكن أتذكر الأوقات السعيدة التي عشتها معهم ..هل تعرف أن والديك الآن حزينين حقاً , لأنهما يشاهدانك من الأعلى وهما يشعران بالحزن للحال التي وصلت إليها , ألم تعدهم بأنك سوف تحقق حلمك , بلا شك أنت وعدتهم ولكن بحالك هذه هل ستحقق ذلك الوعد ؟ ....عليك أن تبتسم لا تجعل الماضي يسرق لحظة الحاضر لا تجعل حزنك يبدد حلمك الذي لطالما أردت تحقيقه , نفتقد الأجساد ولكن الأرواح تبقى حاضرة معنا والى جانبنا تساندنا دائماً ....اجعل الأمل يفيض في قلبك دع حلمك يكون أمام بصيرتك لا تنظر أبدا للوراء فلتنسى الماضي الأليم وتذكر فقط اللحظات الجميلة مع عائلتك دفئهم ضحكاتهم وحنانهم وتشجيعهم لك لتحقق هدفك وحلمك , رغم الألم والحزن يجب عليك أن تقف على قدميك من جديد لكي تصنع مستقبلاً أفضل .. مستقبل يخلو من الحروب... مستقبل يملئهُ النور والضحك والسعادة .. ببساطه مستقبل مشرق ))
كلامها غريب جداً ولكن هي لم تكن مخطئة , أشعر بشعور غريب , هذه الفتاة ؟!! الحقيقة هي كما قالتها , وكأنني كنت أنتظرها , أنتظر شخصا ليخرجني من الحالة التي أعيشها وهاهي تظهر أمامي الآن كملاك جميل بإبتسامة مشرقة اخترقت ظلام قلبي وأعادتهُ للحياة , قررت أن أجد طريقاً لي , فهي فتاة خسرت عائلتها ولكنها لم تيأس ولم تستلم , لذا سأكون مثلها , سأهزم ذلك الحزن , سأطرد العدوان من بلادي أجل سأفعل هذا , قلت تلك الكلمات الأخيرة بصوت عالٍ فضحكت علي , ولكنني شعرت بالسعادة وأنا أنظر إليها تبتسم , لحظة ؟ تذكرت أين شاهدت هذه الابتسامة أجل تذكرت , أنها ضحكة سعيدة ومليئة بالتفاؤل والأمل , أنها تشبه ضحكتها ... ضحكة والدتي ! , آآه لا عجب أنني فتحت قلبي لها وجعلتها تخترقه بسهولة وتطرد ذلك الظلام منه .
قررت أن استعيد ما خسرته لذا كثفت دراستي ساعدتني لين بذلك , نسيت أن أعرفكم على تلك الفتاة غريبة الأطوار....أسمها لين و هي في السنة الأولى من الجامعة مثلي تماماً , المصادفة الجميلة هي أنها في نفس القسم الذي أنا فيه ( قسم الطيران ) استغربت كثيراً كيف لفتاة أن تقرر الدخول لهذا القسم الخطير ولكنها قالت لي أنها تريد أن تحلق بالسماء ..تريد أن ترى العالم من الأعلى ...تريد أن ترى بلادنا بشكلها الجميل....لذا سوف تحارب وتنهي الحرب وتستعيد حرية بلادنا ....زاد إعجابي بطريقة تفكيرها , ولكن .....كما يقال تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ..... فالأوضاع أصبحت أسوء الآن , الجنود أصبحوا معدودين جداً , الحرب سلبت كل شيء منا , ولكن ما تزال كرامتنا موجودة ...مازال شعورنا بأن النصر سيتحقق قريباً موجود .....لذا قررت أنا وبقية زملائي أن نترك الدراسة ونلتحق, رغم أن الأمر كان مستحيلاً في البداية لأننا لا نزال طلاب ولم نتخرج بعد ...ولكن تذكرت مقولة والدي أن أحلامنا بوسعها أن تتحقق وأن كان الأمر مستحيلاً ...
توجهنا إلى أساتذتنا واقترحنا عليهم الفكرة , طبعاً رفضت إدارة الكلية وبشكل قطعي طلبنا هذا ...ولكن لم نيأس هذه المرة بل كان لنا صديق يعمل أحد أقربائه في قسم الطيران في الجيش ...قررنا أن نرسل له طلبنا وأن يعرضوه على المسؤول على قسمه ....أستمر الأمر شهرين تقريباً ونحن ننتظر خبراً بعيون ملئت بالإصرار والرغبة بحماية تربة البلاد الغالية علينا ...جاء الخبر أخيراً لحاجتهم إلى طيارين تم السماح لنا بالانضمام إلى الجيش ...المنظر رغم قسوته ولكنهُ بدا جميلاً من نظرنا نحن ....فالطائرات الضخمة تملئ المدرجات وتنتظر من يقرر أن يركبها ويجعلها تحلق بتلك السماء الملبده بالظلام ,
لم يعد بإمكاننا رؤية الشمس ...فدخان الحرب حجبها عنا ...ولكن نحن سنعيدها بالتأكيد ..سنجعل الشمس تسطع على بلادنا من جديد ....كنا قرابة عشرة أشخاص قرروا أن يتركوا دراستهم ويلتحقوا بالجيش ...لين كانت الفتاة الوحيدة التي قررت أن تفعل مثلنا....ابتسامتها العذبة تلك لطالما كانت تشجعنا وتحفزنا لبذل أقصى ما لدينا ..... أخذ تدريبنا على الطائرات حوالي أسبوعين .
أخيراً أصبحنا جاهزين أو هذا ما ظنناه يبدو أن الحماس الزائد قد أعمى بصيرتنا عن أدراك أننا ما زلنا صغاراً...مازلنا غير مؤهلين لتلك الحرب القاسية ...... حانت اللحظة ....أول يوم لنا في أرض المعركة سيبدأ الآن ...قمنا نحن العشرة بعمل حلقة ووضعنا أذرعنا حول بعضنا البعض وأنزلنا رأسنا إلى الأرض قليلاً ....همس ألبرت الشخص الوحيد بيننا الذي كان في أخر سنة لهُ ..كان يبدو كالأخ الأكبر لنا ..حنانه وعطفه علينا كالأخ الحقيقي على أخوتهُ الصغار...قال بكلمات واضحة (( اليوم سنهزم الخوف ...اليوم سنطرد الظلام في قلوبنا ...اليوم سنحرر سماء بلادنا ...اليوم سنجعل الضحكات تعلو في كل مكان )) كلماتهُ كانت مشجعة لنا حقاً ورفعت من معنوياتنا .... تعاهدنا على العودة أحياء مهما حدث ....ثم ضربنا قبضاتنا معاً ورفعناها إلى الأعلى وصحنا بصوت واحد (( إلى الحرية )) .
أتجه كل شخص إلى الطائرة التي جهزت لهُ ....نظرت قليلاً إلى أصدقائي وهم يصعدون تلك الطائرات ..عيونهم كانت واثقة من النصر .... قلوبهم كانت كالحديد ... أخر شخص نظرت له كانت لين... وهي الأخرى نظرت إلي وابتسمت تلك الأبتسامة اللطيفة بعيون صادقهٍ وسعيدة ..... المحركات بدأت تشتغل ..صوت هدير الطائرات بدأ يعلو ..أكثر وأكثر ..... وها نحن ننطلق إلى تلك السماء ...... الشعور لا يوصف .. لا أستطيع أن أصف لكم شعوري في تلك اللحظة وأنا أقلع بطائرتي من المدرج وأرتفع إلى الأعلى شيئاً فشيئاً .....
ولكن السماء كانت مظلمة فعلاً ...الغيوم الداكنة كانت تملئها ..ولكن لم تكن غيوم المطر بل كانت تلك الغيوم هي غيوم الحزن والأسى ..... فهذه الحرب أفقدت بلادي جمالها ...ولكن نحن سننتصر سنعيد بلادنا إلى ما كانت عليه بل و أفضل .
أصوات طائرات العدو تقترب....جهزت حالي لأسوء ما قد يحدث " الموت " لست خائفاً من الموت بل خائف من أن لا أحقق ما بذلت جهدي من أجله ....نيران العدو بدأت تخترق الغيوم الداكنة تلك .....لم نخف منها بل انطلقنا واثقين بقوتنا وتبادلنا معهم أطلاق النار ...أصوات النيران علت في السماء ....لم استطع أن انتبه لبقية أصدقائي فكل ما كنت منتبهاً عليه وقتها هو تجنب نيران العدو والمبادلة بالنيران معهم .....
بينما أنا مشغول بمبادلة النيران مع أحدى طائرات العدو ....بدأت طائرة أخرى تطلق النار من جهتي الثانية ...واجهت صعوبة بتجنب نيران كلا الطائرتين اللتان حاصرتني كأرنب بين ذئبين جائعين متعطشين للدماء ..... بينما أنا على هذه الحال وقد أدركت أنها نهايتي..فمهما كانت براعتي لم أستطع تجنب هجوم طائرتين تهاجمان من اتجاهين مختلفين ولكن .....حدث أمر لم أتوقع حدوثه ... ظهرت طائرة أخرى أمامي بعد أن حاولت الهرب من الطائرتين السابقتين لتطلق النار علي كأنها أفعى نفثت سمها تجاهي...لم أستطع تجنبها ..أدركت وقتها أنها نهايتي ..ألا أن طائرة لم أنتبه لمن يقودها وقفت أمام طائرتي ليصيبها سم تلك الأفعى .... بدأت النيران تشتعل منها وتصاعد منها الدخان الكثيف ...استغليت هذه الفرصة فأطلقت النار على تلك الأفعى ودمرتها ....أمعنت النظر لأرى صاحب تلك الطائرة الشجاعة ولكن !! .... هذا لا يعقل..لما هي ....لما تلك الابتسامة الرقيقة هنا !! ....مستحيل !...جسدي تصلب وما عاد بوسعه الحركه ...لم أستطع فعل شيء سوى الصراخ بكلمه واحده " لـــــــــــــــين " أجل كانت تلك الطائرة التي أنقذتني هي طائرة لين ...لماذا ..لماذا هي مجدداً من تنقذني .....
نظرت لي وأنا انظر لطائرتها التي بدأت تهوي نحو الأرض ..ابتسمت تلك الابتسامة وأصغيت لها بقلبي وكأنها تقول (( لا تدع اليأس يتمكن من قلبك مجدداً....أسعى لتحقيق حلمي وحلمك )) , بدأت طائرتها بالسقوط ولم أعرف ماذا افعل ؟ ....هل علي ترك أصدقائي وأذهب لمحاولة فاشلة لإنقاذ لين ؟!! أم أستمر بالنظر للأمام ..... لم أستطع أن أختار ولكن نيران العدو أجبرتني على الاختيار ....المعركة طالت كثيراً ولكن نحن ورغم قلة عددنا كنا أكثر إصراراً من ذلك العدو الغاشم الذي لا يعرف الرحمة ....لذا هاجمناه بقوتنا وأجبرنا طائراته على الانسحاب قليلاً ...لاحت لنا الشمس في الأفق وكأنها تقول لنا ...استمروا بالقتال ...انتصروا ولا تيأسوا ...أعيدوا بلادكم الجميلة التي أحبها إلى ما كانت عليه .
عدنا إلى مدرج الطائرات وقد تبقى منا خمسة أشخاص فقط .... خسر ألبرت ذراعه ....وبقيتنا نحن الأربعة أصبنا أصابات طفيفه لذا يمكن القول أننا كنا بخير , ولكن طائراتنا لم تكن كذلك .... أنا لم أستطع أن أتمالك نفسي ...أسرعت إلى مرآب السيارات كنت أنوي أن أتوجه إلى حيث سقطت لين ...كان لدي أمل ضعيف أنها ربما تكون على قيد الحياة ....رغم أنني أعرف أنه من يسقط من ذلك المكان المرتفع لن ينجو ...أوقفني ألبرت ولكنني صرخت بقوة وبغضب أنني أريد أن أجد لين ...نظر ألي ألبرت وأبتسم ابتسامة صغيرة وقال (( نحن أيضاً أيها الأحمق علينا أن نجد بقية الأصدقاء ))
أمعنت النظر لأرى جميع الأصدقاء كانوا يفكرون مثلي ويريدون أن يجدوا تلك الأرواح التي رافقتنا , ورغم أصابه ألبرت الخطرة الا أنه لم يعرها أي اهتمام بل قرر مرافقتنا للبحث عن الأرواح التي أنفصلت عنا ....صعدنا السيارة وتوجهنا إلى حيث الأرض التي كنا نريدها أن ترتسم لنا قليلاً ....بدأنا بالبحث ولكن كل ما نشاهدهُ هو حطام الطائرات والجثث التي ملئت المكان ....
بدا واضحاً علينا أن خيمة الحزن تسيطر علينا شيئا فشيئا...ولكن ....!! تلك الابتسامة..أجل أنا لا أحلم لقد رأيت تلك الابتسامة...أسرعنا إليها لنجد .... إصابتها بالغة جداً ...ولكن كانت على وجهها تلك الابتسامة التي كانت مصدر الأمل لنا ..... قررنا أن نعود بها وبسرعة إلى مقر الجيش حيث يتواجد أفضل الأطباء....قدت السيارة بجنون وحذرني أصدقائي من التهور بالقيادة ..لم أهتم لكلماتهم بل أسرعت وأسرعت طالباً من الوقت أن يتوقف ...بعد وقت قصير وصلنا أخيراً تم إدخال لين إلى غرفة العلميات....وتم أخُذ ألبرت أيضاً للعلاج وأيقاف النزيف.... بقية الأصدقاء كانوا مثلي ينتظرون على أحر من الجمر ....استمرت العملية ثلاث ساعات ....خرج الطبيب وتجمعنا حوله بنظرات قلق ....قال الطبيب لنا (( لقد نجحت ولـ ....)) لم نسمع كلام الطبيب المتبقي بل انطلقت صيحاتنا وأفراحنا في كل الأرجاء..دموع السعادة ملأت وجوهنا ....ولكن فجأة لمحتُ نظرة حزنٍ على وجه الطبيب ..
لذا توقفت مشاعر السعادة تلك وأعدت النظر للطبيب سألته .....ماذا جرى أيها الطبيب ..... (( لقد فقدت بصرها )) كلمات الطبيب كانت كالجبل الذي أطبق على صدرونا ! ....فقدت بصرها ماذا يعني هذا !! ....فقدت أعصابي وأمسكت الطبيب من ثيابه ..حاول أصدقائي أن يبعدوني عن الطبيب...أخبرني أن شظايا من الطائرة أصابت عيناها لذا فقدت بصرها ...تركت الطبيب وأسرعت لغرفة لين لأجد عينيها التي طالما أحببتها قد حجبت عني ..ذلك الضماد الأبيض يمنعني من مشاهدة العيون العسلية تلك ! .....ابتسمت تلك الابتسامة اللطيفه (( أنت هنا أليس كذلك آرثر ؟ ))
ملامح الدهشة ملئت وجهي ....كيف ..كيف عرفتِ أنهُ أنا ..... ضحكت تلك الضحكة الرقيقة وقالت (( ومن غيرك سيدخل على شخص خرج من عملية للتو )) ....آآه ما هذا ؟ إنها لم تفقد الأمل بعد ..مازالت كما هي ...كم أنا أحمق وضعيف ....مقارنة بها إنها حقاً ...... اعتذرت لها لأنني السبب فيما حدث فقالت أنها هي المخطئة و انهُ علي أن لا أشعر بأي تأنيب للضمير..... ولكن هي تريد تعويضاً مني ...لم أتردد بالكلام بل قلت وبصوت واضح وسريع كيف يمكنني أن أعوضك ؟....قالت لي (( أريد أن أرى بلادي قد حررت وأن الشمس لاحت مجدداً في المساء لتبث شعاعها في الأرجاء فتنير تلك الأراضي الطاهرة والتي أرتوت بدماء أبنائها )) ولكن ...... أردت أن أكمل ولكنها قاطعتني .... (( أعرف جيداً أنني فقدتُ نظري , لذا ستكون أنت نظري الجديد ..بعيناك سوف أرى بلادي عادت كما كانت ))
الأمل موجود ...نعم أردت الأمل ولكن ...لكن ظننت أنني لن أجده ولكنهُ كان موجوداً منذ البداية ...فكلماتها تلك هي الأمل بذاته ..... نظرت لها وأخبرتها هل حقاً يمكنني أن أريك تلك الصورة الجميلة .... قالت لي والأبتسامه الجميلة لم تفارقها لحظه واحده ((تستطيع ؟ بالتأكيد تستطيع اختراق سحاب الحزن وأحتضان الأمل .. مادام بك قلبٌ ينبضْ بالتفاؤل , حرر ابتسامتك من عبودية حزنك وأنا واثقة أنك سوف تريني تلك الصورة )) , سأفعل ، هذا ما استطعت قوله لها .
مضت سنة كاملة على خسارة لين لبصرها .....أنا وبقية أصدقائي الأربعة أصبحنا طيارين رسميين في الجيش ...تمت ترقية ألبرت إلى رتبة عقيد لجهودهِ في قيادتنا.....مازالت الحرب مستمرة ولكن نحن لدينا الأمل الآن وعلينا حمايته مهما بدا الطريق مظلماً ولا نهاية لهُ فإن شعاع الأمل قادر على جعل نهاية لذلك الطريق المظلم .....نهاية تلون بألوان الحياة المشرقة لتطرد ظلام اليأس من قلوبنا...سوف نستمر بالقتال لكي نحرر بلادنا ونعيد لها تلك الصورة التي كانت ولا تزال معلقه في أذهاننا..... علينا زراعة ورود السعادة في طريق الآخرين لأنها حتماً سوف تزهر بذلك الأمل الذي نسعى إليه , فالأمل ينبوع من ينابيع السعادة الدائمة الأبدية .. الذي يسقينا حياة الفرح والتفائل والذي يجعلنا نشعر أننا نمتلك الحياة .. وأننا لسنا مجرد كائنات تسعى بتلقائية بدون وعي وسعي للحياة السعيدة والمستقبل المنتظر فقط , نعم .. مـا أجمل ..أن يخفي الأمل معـالم اليأس , ومــا أجمل أن يــتحلى الصبر بأبهى حلل الأمــل , ففي الأمل .. نرى الحياة ..رائعة مهما كانت عقباتها .
لذا سأختم كلامي يا أصدقائي الذين أصغوا لقصتي من بدايتها لنهايتها رغم أن النهاية لم تأتي بعد , ولن تأتي مالم نحرر بلادنا الغاليه....سأقول لكم أن الأمل شمس تعيد للمغترب بصيص العودة للوطن .. وللمريض بريق الحياة .. فالأمل شمعة توقد العزم في القلوب الضعيفة ..الأمل شعاع الحياة النابض , لذا مهما بدت الحياة قاسية وصعبة , مهما بدا الحلم بعيداً عن الواقع فلا تيأس بل أجعل الأمل سيد جسدك وكيانك .
النهاية