التصنيف : واقعي .
.
.
حياة الأنسان مليئةٌ بالمواقف منها الجميلة ومنها السيئة , منها ما يرسم الإبتسامه ومنها ما يرسم الحزن , منها ما يكونْ عبرةٍ لنا ومنها ما يكونْ مضيعةٍ للوقت
وهذا ما حصل لي ... تتسألون عنْ نوع الموقف الذي مررت به ِ , قد لا تصدقوا ولكنهُ لم يكنْ منْ نوع واحد فالموقف الذي مررت بهِ كان جميلاً وسيئاً بنفس الوقت كانْ سعيداً وحزيناً , كان فيه عبره ولكن لم يكنْ مضيعه للوقت
هل زاد فضولكم لتعرفوا ما هو هذا الموقف ؟!
حسناً ساخبركم كل شيء حدث معي في ذلك اليوم الذي تغيرت نظرتي فيه للحياة في ذلك اليوم الذي حمدت الله وشكرتهُ كثيراً على ما فضل علي منْ نَعماَ مختلفةٍ
أصغوا جيداً فإنا سأخبركم بقصة حصلت معي وغيرت نظرتي لكل شيء ,
ها منْ أنا ؟
أنا شخص كسائر الأشخاص هنا , أنا شخص عاش حياة ظنْ أنها الجحيم , أنا شخص عاش حياة أعتقد أنها الإسوء في هذا العالم
أسمي ليندا فتاة في السابعة عشر منْ عمري , هذهِ أخر سنةٍ لي في المدرسة الحياة التي عشتها كانت جحيماً , دائماً أحبس نفسي في غرفتي , كرهُت الحياة التي عشتها شعرت إنْ العالم كلهُ أنقلب علي , لماذا ببساطة لأنْ حياتي قاسيةٍ جداً , والداي يطالباني دائماً بأعلى النتائج وهذا الأمر يفوق قدرتي لم أعد اتحمل هذا , كٌنت معزولةٍ عنْ العالم ولكنْ في أحد الإيام حصل أمراً غير نظرتي للحياة تماماً شعرتُ إنْ الله كانْ لطيفاً بالفعل معي وأنْ حياتي لم تكنْ كما وصفتها من قبل .
عادة أسرتي أنها تخرج في أيام المناسبات والإحتفالات الخاصة لتناول العشاء خارج المنزل , وهذا الإمر كانْ مزعجاً لي فأنا لم أكنْ أحب تلك الاحتفالات ولذا لم أكنْ أرغب أنْ أخرج فيها , ولكنْ قانون العائلة أنهُ لا أستثناء ولو كنتَ مريضاً الكل سيخرج يعني الكل سيخرج ! .
وبالفعل خرجنا في ذلك اليوم الذي غير طريقة نظرتي للحياة , ملامح العبوس والغضب كانت واضحةٍ علي تماماً ولكنْ والداي لم يعيران أي أهتمام بها , صعدنا السيارة أنا وأخي الصغير ووالداي وأنطلقنا نحو هدفنا هو مطعم فاخر يقع في أحد أشهر الشوارع حيث أعيش
كانْ الإزدحام شديداً جداً , كيف لا وهو يوم عطلةٍ لأغلب العوائل مشاعر الغضب لم تزل من وجهي كنتُ بالفعل أكرهُ هذهِ الأمور , ولكنْ لا أحد يحترم مشاعري أبداً حتى والداي تجاهلا الأمر تماماً وصارا يضحكان ويستمتعان بالحديث .
بعد صراع مع الطريق وصلنا أخيراً لوجهتنا , أوقف والداي السيارة في المكان المخصص لها ثم دخلنا لذلك المطعم , ملامح الغضب زالت بسرعةٍ لأنْ المكان كانْ مذهل لم أتوقعهُ هكذا , الأرضية كانتْ تلمع وبشدةٍ لدرجة أنهُ يمكنك أنْ تشاهد نفسك بها كالمرآة , الحائط كانْ مزخرف بألوان تبعث في النفس الراحة والطمنانية بين اللون الاحمر الجميل إلى اللون الوردي الهادئ , مع تلك الازهار التي كانت مرسومةٍ عليه , أما الإنارة فمن ينظر لها يشعر إْن الوقت صباح لشدة قوتها وجمالها بين اللون الابيض إلى الأحمر إلى الأصفر , حقاً لا يبدو أننا في الليل , , لاحظ والداي ملامح الذهول علي وأبتساما أبتسامةٍ خفيفةٍ كي لا أشعر بها , ثم توجهنا الى حيث الطاولة التي تم حجزها لنا .
جلست أنا لا أزال أنظر لجمال المكان , وبعد وقت قصير جاء لنا النادل لأخذ طلبنا ثم غادر ... كنت لا أزال أحدق بجمال المكان , الأزهار في كل مكان منْ المطعم بعضها كانْ واضحاً انهُ أصطناعي ولكنْ بعضها الأخر كانْ يبعث رائحةٍ جميلةٍ جداً , في وسط الغرفة التي نجلس بها كانْ هنالك حوض سمك كبير يحتوي على أصناف مختلفة منْ أسماك الزينة .... وبينما أنا لا أزال في وسط ذهولي لجمال المكان وروعتهِ حصل موقف غير نظرتي لهذا المكان الجميل .. تتسألون ما هو ؟
موقف ألم قلبي .... موقف شعرت بهِ أنْ الإنسانية قد سلبت منْ هذا العالم , موقف تمنيت أنني لم أشاهدهُ لقسوتهِ ..... الأنسانية ! هل حقاً نملكها فما أراهُ الأنْ لا يبدو أنهُ منْ الإنسانية بل هو عمل أشبه بعمل الحيوانات ... علي أنْ أعتذر للحيوانات لانها حتماً لنْ تتصرف بتلك الطريقة .... أصبروا فقط سأخبركم ماهو ذلك الموقف فأنا أحاول إنْ أجمع قوتي وكلماتي لأبوح لكم بهِ ... كانْ الموقف صعباً جداً فمنْ كانْ يتخيل أنْ رجلاً سيضرب طفلةٍ في السابعة منْ عمرها بسبب تافهٍ جداً , أجل سبب تافه لأنها أمسكت بثياب زوجته بيديها فقط , لقد صفعها وبقوة على خدها تاركاً أثار أصابعهِ الكبيرة على خد تلك الطفله البريئة , رأيتم قلت لكم الموقف صعب , حاولت أنْ أتمالك غضبي على ذلك الشخص ...فهي كانت طفلةٍ صغيرةٍ جداً ذات ثياب رثةٍ جداً وشعر أشعث ومغبر ووجهِ مليئ بالسواد , لم تفعل شيء الا أنها أمسكت ثياب تلك السيدة التي كانتْ فاخرةٍ جداً , مشاعر الغضب والحقد التي أرتسم ملامح الزوجين وقتها لا يمكنْ أنْ يقال أنها مشاعر أنسانية فهذا بعيد كل البعد عنْ كلمة أنسان ... صفعها بقوة ليرتطم جسدها على الأرض , وليتهُ توقف عند هذا الحد , ليتهُ تركها وشأنها ...ولكنْ لم يتوقف بل عاد لها مجدداً وأمسكها منْ شعرها وصرخ عليها بكلمات لا أزال أذكرها جيداً (( أيتها الحثالة كيف تجرأين وتمسكين ثوب زوجتي الثمين بيديك القذرتين )) هل هذا كلام بشر حقاً ليقال لطفلةٍ صغيرةٍ لم تدرك ما فعلتهُ , كل ما قامتْ بهِ أنها أمسكت ثوب تلك السيدة .
ملامح الخوف والحزن أرتسمت على وجه الطفلة لم تكنْ تعرف ماذا تقول وهي ترى ملامح الشيطان قد أرتسمت بملامح ذلك الرجل (( أ....أسفةٍ ..ســ...سيدي )) سحقاً لتلك المشاعر عديمة الرحمة , سحقاً لتلك القلوب الحاقدة والخاليةِ منْ أي ذرة إنسانية , براءة الأطفال التي علت وجه الطفلة كانْ سيرق قلب كل منْ شاهدها ولكنْ لا يبدو أنْ أحداً قد رق قلبهُ لها , صرخ ذلك الوحش أجل وحش لا يمكنني أنْ أقول عنهُ أنهُ إنسان فهذهِ أهانة للأنسانية مع أنْ الوحوش هي الاخرى تمتلك الرحمة على جنسها (( أسفه هل تعتقدين إنْ الاعتذار سيخلصك من عذابي أيتها الفتاة المتشردة ؟ )) ماذا يقول هذا الرجل ؟! هل هو حقاً جاد بما يقولهُ الأنْ ؟!!!! هل ينوي أنْ يعاقب الطفله فقط لأنها أمسكت ثوب زوجتهِ ...يبدو أن الجواب جاء سريعاً ليجيب عن سؤالي ..أنهال ذلك الرجل عليها بالضرب بالعصا التي كانْ يحملها بيدهِ والطفلة لا تمتلك ما تدافع بهِ عنْ نفسها غير يديها الصغيرتان ولكنْ ماذا ستحمي تلك اليدين ؟!! ... مشاعر الغضب والحقد والكراهية سيطرت علي تماماً شعرتُ أنني لم أعد قادرة على الأحتمال , أنتظرتُ قليلاً لأرى منْ سيحاول أيقاف ذلك الرجل ولكنْ كل شخص كانْ مشغول بالتفرج فقط ... لا يمكنني إنْ أبقى ساكنةٍ وقتٌ أطول هذا الوغد سوف يقتل الصغيرة , لاحظت إنْ بعض رجال المطعم حاولوا منعهِ ولكنْ لم يتمكنوا منْ فعل شيء فالغضب قد سيطر على ذلك الرجل وصار التفاهم معهُ معدوم تماماً لنْ يتوقف حتى يهدأ ولكنْ هل سيهدئ ؟ ... لا يبدو أنهُ كذلك ...الطفله كانتْ تبكي وتصرخ بكلمات واضحةٍ (( أسفة سيدي لم أقصد أرجوك سامحني )) ولكنْ يبدو إنْ كلمات ذلك الملاك الصغير لنْ يصل الى أذني ذلك الشيطان .. سوف تموت الطفله نعم ستموت إنْ أستمر بضربها بتلك الطريقة .... لم أعرف ماذا أفعل غير أنني أمسكت أحد سنادين الإزهار وضربت الرجل بها وسط دهشة كل الحاضرين هنا ولا سيما والداي !!!
أيها الشيطان عديم الرحمة كف عنْ ضربها أيها الوغد سوف تموت الطفلة , نظرات الأزدراء والأستياء أرتسمت على ملامح ذلك الوحش ... (( أيها الفتاة كيف تجرأين على ضربي ؟ )) أسال نفسك هذا السؤال كيف تجرأ على ضرب طفلة صغيرة ....نظرت للجميع بملامح الحزن والغضب ثم صرخت إيها الناس عديمي الإنسانية هل وصلت بنا الحال إلى هذا المستوى ؟ , لما لم يوقفهُ أحد منكم هل أعمى الخوف بصيرتكم أم ماذا ؟ تحدثوا ولا تصمتوا , نظرات الحزن أو الغضب أو الاثنين معاً لستُ أدري أرتسمت على ملامح الجميع وأبي حائر لا يعرف ماذا يفعل ....
شاهدتُ أحد أفراد المطعم أخذ الهاتف وأتصل ولكنْ لا أعرف بمن أتصل ؟! , تحدثوا لما سكتم , هل لأنْ هذه الطفله ليست منْ الأثرياء , هل لأنْ ثيابها رثةٍ , هل لأنْ ملامحها بعيدةٍ عنْ الجمال المزيف الذي تتدعونهُ , بغضب أعدت النظر لذلك الرجل ..أسمع يا هذا لو كانتْ هذهِ الطفلة منْ الطبقة الثرية هل كنتْ ستضربها ؟ بالتأكيد لا ! لأن لديها منْ سيحميها ....لم تفعل شيء لكي تستحق كل هذا الضرب منك .... ما المشكلة إنْ أمسكت ثوب زوجتك الفاخر , أنتَ شخص عديم الرحمة وتصرفاتك بعيدة كل البعد عنْ الإنسانية , رأيتُ الغضب واضح على الرجل وكانْ ينوي إنْ يضربني ولكنْ والدي تدخل ومنعهُ , تبين إنْ الرجل يعرف والدي ... نعم فوالدي أحد أكثر الناس ثروة في هذهِ المدينة الفاسدة ...
أعتذر الرجل أنهُ لم يقصد ضرب أبنته والدهشة تعلو ملامحي والغضب سيطر علي تماماً ...أيها الحثالة , نظر الجميع ألي والدي حاول منعي ولكنني رفضت ...إيها الأثرياء أيها المجتمع الفاسد لما لم يرق قلبكم لحال الطفلة المسكينة , لما لم يرق قلبكم وانتم تنظرون وهي تضرب , لما لم يرق قلبكم منْ أجلها لما !! مجتمع فاسد أناني عديم الرحمة والإنسانية .... شعرتُ بشيء أمسك قدمي , نظرتُ لتلك الطفلة وهي شبه فاقدة للوعي وكانتْ تمسك قدمي بيدها الصغيرة ... أسرعت لها ونظرات الحزن والأسى كانتْ ترتسم علي , ولكنْ دهشت حقاً مما حدث لقد أبتسمت ؟!!! أجل أنا لا أمزح لقد أبتسمت لي (( شـــ..شكراً )) ما هذا ؟ هل هذا حقيقي حقاً ؟!! طفلةٍ صغيرةٍ تعاني أقسى المعاناة أبتسمت لي وشكرتني فقط بسبب بضع كلمات معسولة قلتها ... قلبي لم يستوعب الأمر أبداً لم أعرف ماذا أقول لها ؟ فهل كنتُ أريد حقاً مساعدتها ؟ أو أنْ اظهر بمظهر مختلف ؟ بدأت أشك بفسي بالفعل ! ماذا علي أنْ أقول لأخفف عنها ؟ هل أقول لها ستكونين بخير أم أقول لها لا تقلقِ ؟!! هل أخادع نفسي بتلك الكلمات أم ماذا ؟!! .
نظرت بملامح الحزن لوالدي الذي فهم ما أريدهُ ولم يعترض عليه وطلب منْ أحد عمال المطعم إنْ يحمل الطفلة الى سيارتنا .... طلب والدي منْ والدتي البقاء معنا في المطعم وهو سياخذ الطفلة للطبيب ولكنْ أعترضت وأردتُ إنْ أذهب مع والدي للمشفى لأجل الطفلة , والدي لم يعترض بل نظر لي بإبتسامة (( لا بأس )) أسرعتُ مع والدي للسيارة وأنطلقنا الى حيث المشفى الأقرب لتواجدنا ...الطفلة كانتْ تتألم وتنفسها صار بطيء لم أعرف ماذا أفعل سوى أنني دعوت الله أنْ لا يسلب حياة الطفلة بالرغم منْ موتها قد يكون أرحم لها ولكنْ لم أرد ذلك ..بعد صراع مع الأزدحام وصلنا للمشفى أخيراً حمل والدي الطفلة ودخل بها وتبعتهُ بخطوات قلق وخوف لمصير الطفلة .
أدخلت لغرفة الطوارئ فالضرب التي تلقتهُ لم يكنْ قليلاً وخصوصاً أنها طفلةٍ نحيلةٍ هزيلةٍ جائعةٍ لم تجاوز العاشرة منْ عمرها .
بقيت مع والدي ننتظر حتى خرج لنا الطبيب ليقول إن ْحالتها صارت مستقرة الأنْ , لا يمكنكم تخيل الراحة التي شعرت بها , أجل راحةٍ لم أشعر بها منْ قبل ولم أكنْ أعتقد أنني ساشعر بها , أردتُ رؤية الطفلة ولكنْ الطبيب قال أنها نائمة الانْ لم أرغب بأنْ أزعجها لذا قررت إنْ أزورها في الصباح ... والدي دفع كل التكاليف وغادرنا المشفى لنعود للمطعم .
مشاعر الحزن كانتْ قد رسمت على وجهي والدي لم يقل لي شيء فهو يعرف ماذا شعرت بهِ ؟ .. أبي ! نظر ألي (( ماذا ؟ )) ثم أعاد النظر للطريق , لما البشر قاسي القلب ؟ ...لما لم يساعد أحد الطفلة الصغيره ؟ لما كل هذا الحقد منْ أجل ثوب لا قيمة لهُ ؟ , لما لا يمكنْ لقلوب البشر إنْ تفهم بعضها البعض ؟ ... طرحتُ أسئلة كثيرة ولكنْ كلها كانتْ ذات أجابةٍ واحدة (( الإنانية – الغيره – الحقد – الكراهية – الرغبة بالتملك – القوة – التفاخر , كل تلك المشاعر هي جزء لا يتجزأ منْ البشر , البشر مختلفون عنْ باقي الكائنات الاخرى , هل تعرفين بماذا يختلفون ؟ )) كانْ السؤال سهلاً جداً فاجبت دون تردد العقل (( أجل ما يميز البشر هو العقل , ولكن ماذا إنْ خسرت ذلك العقل )) سيكونون كالحيوانات ؟!! (( بالضبط عزيزتي وهذا ما حصل في المطعم , البشر أنانيون جداً يرغبون بكل شيء وعندما لا يملكونه يفعلون المستحيل لكي يحصلوا عليه هم مستعدون للتخلي عنْ العقل في سبيل ذلك )) ولكنْ أليس هذا قاسياً يا أبي ؟ (( البشر مثلما يملكوا تلك المشاعر السلبية فهم يملكون المشاعر الأيجابية مشاعر الحب - الأمل - التفائل - الرغبة بالمساعدة – نشر السعادة , ولكنْ أحياناً يحتاجون لشخص يضغط لهم الزناد فقط )) كيف يضغط لهم الزناد؟ , لم يقل والدي شيء وقد شعرتُ أنهُ عاجز عنْ الرد ولكنْ يبدو أنني كنت مخطئةٍ في شعوري .
عندما وصلنا للمطعم أسرع أخي الصغير (( أختي ...أختي لقد حدث أمر جميل جداً )) لم أفهم ماذا يعني بكلامه ؟ , ولكنْ وجدتُ الناس تنظر ألي وتصفق بحرارةٍ , تسألت عما حصل هنا ؟ جاءت والدتي وشرحت لي أنهُ بعد أنْ غادرنا بدأ الناس ينظرون بأزدراء لذلك الرجل الذي ضرب الطفلة ... وبعد فترةٍ وصلت الشرطة لتعرف ماذا جرى ؟ كانْ العامل من المطعم الذي شاهدتهُ يتصل هو منْ دعا الشرطة هنا , وشهد جميع منْ كانْ حاضراً على ذلك الرجل وكيف أنهُ ضرب الطفلة منْ دون أي رحمةٍ ... تذكرت فجأةِ كلمات والدي ((ولكنْ أحيانا يحتاجون لشخص يضغط لهم الزناد فقط )) وعرفتُ ما كانْ يقصد بكلامه كنتُ أنا هي الزناد الذي أيقظ مشاعر الناس , لأصدقك القول يا أبي أنا لا أزال غاضبةٍ بالفعل فهم لا يحتاجون لزناد لكي يطلقوا مشاعرهم بوسعهم إنْ يتصرفوا منْ تلقاء أنفسهم (( أجل معك حق ولكنْ هذهِ هي طبيعة البشر )) طبيعة البشر ! .
عدنا للمنزل وأنا لا أزال أفكر بكل ما حصل اليوم ..فانا ظننت أنْ حياتي هي الأسوء أنني أعيش في الجحيم ولكنْ بعد أنْ رأيت حياة تلك الطفلة شعرت أنني كنتُ على خطأ , فأنا كنتُ أعيش في نعيم , لم أحمد الله على ما منحني أياهُ منْ عطايا ونَعماً كثيرة , تلك الطفلة قالت لي شكراً مع أنني لم أفعل شيء كل ما قمت بهِ هو أرضاء نفسي فقط , فحينما أراقب أفعالي لا أتكلم بشي ولا أنتقد تصرفاتي الحمقاء تلك ولكنْ عندما أراقب افعال الناس أجعل منْ انفسي حكيمةٍ وأقدم المواعظ كما جرى مع حادثة تلك الطفلة .
في الصباح أستيقظت باكراً وبدلتُ ثيابي كنتْ أريد زيارة تلك الطفلة لأطمئن على حالها , أسرعت لوالدي وأيقضته ثم بدل ثيابهِ وغادرنا , مضى الوقت بطيء جداً علي حتى وصلنا أخيراً للمشفى .... أسرعتُ لغرفة الطفلة وقد وجدتها قد أستيقظت شعرت بالحزن لأنني أرى كل تلك الضمادات التي لفت وجهها ورأسها وبعض أجزاء منْ ذراعيها وجسدها .... ولكنْ الطفلة قابلتني بأبتسامةٍ لطيفةٍ وصادقةٍ لم يسبق أنْ رأيت مثلها , أبتسامةٍ جعلتني أشعر أنني في عالم أخر وأنْ كل الأبتسامات التي كنت أراها كانتْ مصطنعةٍ (( شكراً لك على ما قمتِ به معي )) لا أعرف ماذا أقول لها ؟ فلساني عاجز تماماً عنْ الرد (( لقد قالت لي أمي أنْ الله ﺳﻴﺮﺳﻞ لك ﻳﻮﻣﺎً ﻣﻦْ يشفي ﺟﺮﺣﻚ ﺍﻟﺬﻯ ﻋﺠﺰ إﻥْ ﻳﺒﺮﺃ .. ﻭﻳﺒﺪﻟﻚ ﺧﻴﺮﺍً ﻋﻦْ أشياء جميلة أﻋﺘﺪﺕُ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭﻓﻘﺪﺗﻬﺎ )) .
لماذا تبتسمين ؟!! كلمات خرجت بشكل لا أرادي منْ فمي ...... (( أﺑﺘﺴﻢ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖْ أوجاعي ﻣﺆﻟﻤﺔ ﻭ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻇﺮﻭفي ﻗﺎﺳﻴﺔٍ ﻓﻬﻨﺎﻙ ﻣﻦْ ﻳﻌﺎﻧﻲ ﺍﻛﺜﺮ ﻣني ﺑﻜﺜﻴﺮ )) ما الذي تقولهُ هذهِ الطفلة ؟ , هل حقاً تنظر للامر هكذا ؟ مقارنةٍ بها أنا التي كنتُ أعيش بعز ودلال وطلباتي مستجابةٍ مهما كانتْ صعبةٍ ومستحيلةٍ !! لست أفهم حقاً لما هي هكذا ؟ أشعر بالعجز لا أعرف ماذا علي أنْ أقول لها ؟ رغم أنها أصغر مني الا أنها أكثر تفائلاً ونضجاً مني .... ثمة كلام في قلبي أريد البوح بهِ ولكنْ لا يمكنني فقط , ربما بقاءهُ في القلب أفضل , أخبريني يا صغيرة لما أنتِ سعيدةٍ رغم الحال التي بها ؟ (( ولما لا أكونْ سعيدة .... فحالي أفضل منْ حال الكثيرين , لذا لا شيء يستحق إنْ أحزن منْ أجلهِ فالحياة تجارب ودروس ويبقى الأمر معتمداً عليك هل أستفدت منْ تلك الدروس أو لا , فمهما كانْ الهم موجود فهو لنْ يدوم لأنهُ حتماً سوف يزول )) كلماتها جعلتني حائرة ولكنها محقةٍ في كل كلمةٍ قالتها لما الحزن ؟ لما البكاء ؟ لما الألم ؟ لما اليأس ؟ العيش مع الأمل والأبتسامة هو أجمل حتماً .
هذه الصغيرة أنقذتني منْ حياتي , أنقذتني منْ عزلتي , أنقذتني منْ حزني ويأسي .... أنها الأمل الذي طرد اليأس ... أنها السعادة التي طردت الحزن ... قد لا أستطيع أنْ أمنع نفسي منْ الحزن والألم ولكنْ بوسعي أنْ أجعل نفسي سعيدةٍ , نظرت لوالدي وطلبتُ منهُ أنْ يتبنى هذهِ الطفلة لتكون أختي الصغيرة , والدي لم يتمكن منْ رفض طلبي وقال لي (( لو تراحم النَّاس لما كان بينهم جائع و لا مغبون و لا مهضوم ولطردت الاحزان منْ الجفون ولمحيت الغيرة والتكبر والأنانية من المجتمع .... كما يمحو ضوء الصباح مداد ظلام الليل ))
هي دنيـا قصيره قـد نغادرهــا غداً آو ربما اليوم فلآ داعِ آنْ تمتلئ قلوبنـا تكبراً وغـروراً وحقداً .... فالحياة مواقف وعبر وعليك إنْ تستفاد منها