الياكوزا : عصابات بنكهة يابانية.

صلوا على النبي المصطفى

︵⁺⏜︵︵⏜︵ ⑅

 ⃝⧙ ????????????????????????????.

الثقافة اليابانية لها أوجه و مظاهر متعددة و هي ليست حكرا على ذلك الموروث العتيق القادم منذ قرون، بل تشمل أيضا بعض المظاهر الحديثة التي ظهرت في العقود الماضية و أصبحت رمزا من رموز الثقافة اليابانية، فالمانجا و الأنمي مثلا يعتبران من مظاهر الثقافة اليابانية العصرية، و كذلك نجد ثقافات أخرى ظهرت نتيجة التحول و التطور الحاصل في المجتمع الياباني. و اليوم سنتحدث عن أحد هذه الثقافات التي ظهرت منذ عقود و أصبحت علامة يابانية بإمتياز، إنها عصبات المافيا اليابانية "الياكوزا".

الياكوزا في الأصل تشير إلى الأفراد المهمشين في المجتمع و الذين يميلون إلى الجنوح و التخريب ، و بهذا التعريف يمكننا القول بأنها ظهرت أول مرة في القرن السابع عشر بعد خمود نار الحرب الأهلية و مجيء فترة السلام ، حيث كان الساموراي وقتها في إجازة مفتوحة نظرا لإنعدام الحروب ما جعل الكثير منهم يحيد عن الطريق و أصبحوا قطاع طرق و لصوصا و مجرمين ، و هنا كانت بداية الياكوزا اليابانية التي عرفت بهذا الإسم منذ بدايات القرن الماضي و ترمز حاليا إلى عصابات المافيا في اليابان.

اشتهرت الياكوزا عبر العالم بصفتها منظمة إجرامية يابانبة و صارت تمثل جزء لا يتجزأ من ثقافتها و أحد مظاهرها البارزة داخل اليابان و خارجها ، تعرف الياكوزا على المستوى العالمي بأنها من أخطر المنظمات الإجرامية و أكثرها ثراءً أيضا لكن الغريب في الموضوع أن للياكوزا جانب إنساني حيث تخصص جزء من أموالها لمساعدة الفقراء و المنكوبين خصوصا عند حدوث الكوارث الطبيعية في اليابان مثل الزلازل و الفيضانات ، و هكذا أمر لم يكن جديدا أو وليد الصدفة بل يعود إلى قرون خلت عند بدأ ظهور الياكوزا في عهد الساموراي كما شرحت من قبل ، حيث أن هنالك منهم عصابات تسرق و تنهب من الغني لتعطي و تساعد الفقير و المحتاج ما جعل منهم أبطالا محبوبين في نظر القرويين الذين كانوا يساعدونهم ، و هذا ما يجعلهم النسخة اليابانية لروبن هود.

تنتشر الياكوزا في اليابان على شكل عائلات معروفة و منظمة و ليست مجرد مجموعة عصابات عشوائية إذ أن الياكوزا محصورة في عائلات محددة لا تتجاوز العشرين عائلة في عموم اليابان ، و كل رب عائلة يعتبر أعلى نقطة في هرم القيادة ثم تتدرج المناصب تحته تواليا لتكون فرعا قياديا كاملا للعصابة في العائلة.

يعتبر الأنمي إنعكاسا للواقع بشكل عام وواقع اليابان بشكل خاص فقد كان مرآة عكست الكثير من الوقائع التاريخية و المظاهر الثقافية و الحقائق الإجتماعية ، لهذا ليس غريبا أن نجد ظاهرة إجتماعية تميز ثقافة اليابان كالياكوزا مطروحة في الأنمي بشكل متكرر. لكن هذا لا يعني بالضرورة أن تجسيدها في الأنمي يعكس واقعها كما هو في أرض الواقع لأن الأنمي كثيرا ما يجنح عن عرضها كعصابات خطيرة و سيئة بقدر ما يعطيها صورة براقة و لامعة و يجعل من شخصياتها أبطالا و ينشرها على أنها ظواهر إيجابية في المجتمع وجب الإقتداء بها أو يبالغ في إظهار العنف الموجود فيها دون وجود أي مبرر منطقي لتلك القتالات الدامية دون أن يكون لها آثار تذكر. و في ما يلي سأعرض بعض الأمثلة عن أنميات كان فيها للياكوزا ذكر و تجسيد مختلف.

أولا لدينا أنمي Nisekoi و سأحب أن أبدأ من هذا الأنمي الذي يعتبر خفيفا و ممتعا للمشاهدة فهو أنمي رومانسي كوميدي ذو قصة تدور حول الياكوزا اليابانية ، حكايته عن الفتى "راكو" ابن زعيم أحد فروع الياكوزا و الفتاة "تشيتوغي" ابنة زعيم فرع آخر منافس لفرع والد راكو و هم على خصام مستمر و قتالات و مناوشات دائمة ، و لأن هذه المشاكل أتعبت أفراد العصابتين و جلبت لهما المشاكل داخل عالم الياكوزا مما إضطرهما للجلوس و التفاوض لإيجاد حل و قد توصلا له بالفعل بعد أن قررا بأن يعقدا خطوبة بين وريثيهما ما سيؤدي إلى خلق هدنة و جو من الهدوء بين العصابتين ، و هذا ما حدث بالفعل حيث أصبحت العصابتين على وئام و توقفوا عن القتال و إثارة النزاع في حيث يحاول كل طرف إثبات أنه الأفضل من حيث الحفاظ على العهد و حماية علاقة الوريثين. هذا الأنمي قدم جانبا عن واقع الياكوزا من ناحية التنظيم و المشاكل الموجودة في هذا الوسط و حتى الإلتزام الأخلاقي لأفراد هكذا عصابات عند حالات التوافق فيما بينهم ، لكن من جهة اخرى فقد قدمت صورة براقة و لامعة عن عصابة الياكوزا و هي سطحية و لم تتغلغل إلى أعماق هذه العصابات و لم تكشف حقيقتها و حقيقة الأعمال الغير مشروعة التي تقوم بها على العكس أعطى صورة طيبة منح بها الشرعية لهكذا عصابات و كأنها شيء إيجابي و محبوب من خلال إبراز الجانب الجيد فقط.

أنمي آخر قدم ثقافة الياكوزا حتى و إن لم تكن قصته تدور حول هذه العصابات بحد ذاتها هو أنمي "GTO" و يدور حول الشاب أونيزوكا الذي كبر و ترعرع كعضو جانح في عصابات الياكوزا ، و لا بد أن خلفيته التي كبر فيها بدون أب يقف على تربيته و صلاحه و في وسط مليء بالعصابات كان لها الأثر الأكبر في أنه كبر بهذا الشكل ، مع ذلك لم يستمر طويلا في البقاء كعضو ياكوزا لأنه قرر أن يصبح معلما و بالفعل أصبح كذلك لكنه كان غريب الأطوار جدا و يختلف عن بقية المعلمين حيث انه لا يتصف بالتهذيب و اللباقة في الكلام و التصرفات بل كان على عكس ذلك تماما ضاربا بالصورة النمطية للمعلم عرض الحائط و هذا طبعا بسبب انه كبر كعضو ياكوزا فيستحيل أن يتغير سلوكه فجأة من عضو في عصابة إلى معلم محترم و مهذب حتى مع تخليه عن حياة الياكوزا ، مع ذلك فهو لم يكن فاشلا كمعلم بل على العكس حقق نجاحا باهرا بعد أن روض قسما من المشاغبين الذين تسببوا في انهيار معلميهم السابقين لذلك كان واضحا جدا أن لباقة المعلم العادي لن تنفع ، و هنا نرى الأثر الشديد لأسلوب عيش عصابات الياكوزا و معرفتهم الواسعة بأنواع الناس و ماهية الشارع الحقيقي في مساعدة المعلم أونيزوكا على ترويض طلابه عن طريق كبح جماحهم و فهمهم و مساعدتهم لحل مشاكلهم ، فلا يوجد افضل من شخص عاش كياكوزا حتى يفهمهم. بالفعل تم تقديم الياكوزا هنا بشكل مختلف لم يكن براق و لامع لكنه أيضا استطاع ان يترك أثرا إيجابيا بخصوصها بسبب البطل الذي كان منهم.

إلى أنمي آخر جسد وجود الياكوزا بشكل غريب للغاية و هو أنمي اسمه "The Way Of The Househusband" و قصته حرفيا كما عنوانه حيث تدور حول الشاب "تاتسو" الذي يعيش في بيته و يتكفل بجميع أعمال الطبخ و التنظيف و الغسيل و غيرها من أمور البيت بينما تعمل زوجته و تحاول الرقي في مسيرتها المهنية ، لكن دعونا لا نتسرع و نعتقد أن هذا الرجل بوضعه هذا هو مجرد رجل عادي و ضعيف تسلطت عليه زوجته بل على العكس من ذلك لقد كان تاتسو عضو ياكوزا مرموق للغاية في ذلك الوسط و يعرف بلقب التنين الخالد و مجرد ذكر اسمه يثير الرعب بين أفراد عصابات الياكوزا بسبب تاريخه الدموي و مواقفه المرعبة ، مجرد النظر إليه كفيل بأن يؤكد لك بأنه عضو ياكوزا فنظراته مرعبة للغاية ووجهه مخيف كما انه يحمل ندبات على وجهه نتيجة صراعات العصابات التي خاضها و أيضا يوجد وشم على ظهره يرمز إلى هويته كعضو ياكوزا مخيف ، هذا دون أن ننسى تصرفاته الحذرة و المليئة بالشك و التساؤل دائما حتى عندما يكون في منزله و فقط مع أغراض البيت و هذا طبعا بسبب عيشه كياكوزا لسنوات طويلة جعلته يبقى حذرا و متيقظا طوال الوقت. هذا الأنمي قدم الياكوزا من جانب واقعي عندما طرح الصراعات و القتالات و الأعمال التي يقومون بها كمنظمات إجرامية ، و من جهة أخرى أبرز كيف لعضو ياكوزا سابق أن يكون زوجا متعاونا و متحرما لزوجته بهذه الطريقة التي لن يوافق عليها أي رجل أو على الأقل أغلبهم. و انا بدوري أتساءل إن كان الياكوزا هكذا فعلا أشخاص محترمين و يقدمون المساعدة و لا يضطهدون الضعيف.

︵⁺⏜︵︵⏜︵ ⑅