الاعتماد على الله في جميع الامور الدينية والدنيويه تعريف
التوكل على الله.
الاعتماد على الله في جميع الامور الدينية والدنيويه تعريف ماذا ؟ هو تعريف التوكل أخي المسلم، فإن التوكل على الله هو تفويض الأمور إليه، جميع الأمور، يعني كونك متوكلًا على الله أنك سلمته أمورك يتصرف بها كيفما يشاء، بينما أنت واثقًا مطمئنًا لما يفعله سبحانه وتعالى بأمورك، فتتوكل على الله حين ذهابك، وحين مجيئك، وعند صلاتك، وصيامك، وكل أمور الدنيا والدين.
جعل الله سبحانه وتعالى التوكل شرطًا لصحة الإيمان إذ يقول سبحانه ف يكتابه العزيز : (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، فالمتوكل على الله هو المؤمن الذي فاز، فقد صح إيمانه بتوكله خير التوكل على الله، كما أنه فاز بدعم الله سبحانه وتعالى حيث يكفيه العلي الكبير ما أهمه من أمور دينه ودنياه، وعلى التوكل أن يكون مقترنًا بالعمل بالأسباب.[1][2]
التوكل لا ينافي السعي
ينبع التوكل من القلب، فهو جزءًا وشرطًا للإيمان، ولكن التوكل لا يعني التواكل وعدم السعي، فقد يظن البعض أنه بتوكله على يترك عمله ويترك الدنيا ويتفرغ لعبادة الله وسوف يدق الرزق بابه أثناء نومه، يقول ابن رجب : (اعلم أن تحقيق التوكل لا ينافي السعي في الأسباب التي قدر الله سبحانه المقدورات بها، وجرت سنته في خلقه بذلك، فإن الله تعالى أمر بتعاطي الأسباب مع أمره بالتوكل، فالسعي في الأسباب بالجوارح طاعة له، والتوكل بالقلب عليه إيمان به).
إذًا فالسعي طاعة، وعكس الطاعة هو العصيان، ولا يتأتَّى رضا الله تعالى بعصيانه، كما أن الله لم يأمر بالتواكل وإنما أمر بالتوكل وشتان بينهما، يقول تعالى : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ)، وقال : (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ)، وقال سبحانه وتعالى : (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ).
وقال سهل التستري : (من طعن في الحركة، فقد طعن في السنة، ومن طعن في التوكل، فقد طعن في الإيمان، فالتوكل حال النبي صلَّ الله عليه وسلم، والكسب سنته، فمن عمل على حاله، فلا يتركن سنته)، فالمتوكل على الله حق التوكل سعى وأخذ بالأسباب.
ليس التوكل والتواكل سواء، عَنْ مُعَاذٍ قَالَ : (كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ فَقَالَ : يَا مُعَاذُ، هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ؟ قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ : (فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ، قَالَ لَا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا)، أي أن رسول الله صلَ الله عليه وسلم كره التواكل كما حض على التوكل.
انظر ماذا فعلت مريم وقلبها يسكنه اليقين، قال تعالى : (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا فكلي واشربي)، فهي تعلم أن الله لن يدعها، وتسلمه أمرها، وقد أمرها بهز جزع النخلة ففعلت فرزقها رطبًا جنيًا، فما عنده تعالى لا يُكتسب بالتواكل والتقاعس، ثبت عن نبينا صلَّ اللهعليه وسلم أنه قال : (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجزن)، فاستعن بالله كما أمرك الله، ولا تعجز كما أمرك رسوله الكريم صلَّ الله عليه وسلم [3][4][5]
التوكل على الله في القرآن
أورد الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز العديد من الآيات القرآنية التي تحض على التوكل على الله، وذلك لما للتوكل من أهمية، إذ لا يكمل إيمان المرء إلا به، وإليك بعض آيات القرآن الكريم التي ذكرت التوكل :
(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ، إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).
(الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ).
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ).
(وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ، فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).
(وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ).
(وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ).
(كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ).
(قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ، وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ).
(وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ).
(فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ).
(وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا).
(أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ، وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ ، وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ)
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ، الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).[6]
التوكل في جميع الأمور
على العبد المؤمن أن يتوكل على سبحانه وتعالى في جميع أمور حياته، العسير منها واليسير، القليل والكثير، الظاهر والباطن، الغايات والمقدمات، الأسباب والمسببات، فإن الأمر إن كبر وإن لا قل لا يتيسر إلا إذا أمر سبحانه وتعالى بتيسيره.
روى أبو يعلى وابن السني عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : (سلوا الله كل شيء حتى الشسع، فإن الله إن لم ييسره، لم يتيسر)، وقال تعالى : (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلًا)، فقد أطلق تعالى معنى التوكل، ولم يقتصره على أمرٍ دون الآخر، فتوكل على الله حين نهوضك من الفرش للعمل، وتوكل على الله عند خروجك، وعند تناول طعامك، وعند اتخاذ قراراتك البسيطة والمصيرية، فمن توكل على الله كفاه.
قال محمد عبدالرؤوف المناوي في كتابه (فيض القدير) : قال الداراني : (كل الأحوال لها وجه وقفا، إلا التوكل، فإنه وجه بلا قفا)، يعني أن التوكل على الله هو إقبال على الله في جميع الأحوال من جميع الوجوه، وإليك ما قاله شيخ الإسلام الصابوني في التوكل على الله :
توكل على الرحمن في كل حاجة، أردت فإن الله يقضي ويقدر.
متى ما يُردْ ذو العرش أمرًا بعبده، يُصبْه وما للعبد ما يتخير.
وقد يهلك الإنسان من وجه أمنه، وينجو بإذن الله من حيث يحذر.[7]
معنى الوكيل
الوكيل هو الكفيل، والكافي، والحفيظ.
فالله هو المتوكل بخلقه خلقًا وتدبيرًا لجميع أمورهم، (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)، فالله يخلق الخلق، يرزقهم، ويحفظهم، فالوكيل هو الكفيل والرب، يقول تعالى : (وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا)، أي أنه جعل زكريا عائلًا لمريم رضي الله عنهما، والعائل ما هو يقوم على شؤون المُعال ورعاية.
قال الحليمي : (الوكيل هو الموكَّل والمفوَّض إليه علمًا بأن الخلق والأمر له، لا يملك أحد من دونه شيئًا)، فمعنى قوله تعالى لمحمد صلَّ الله عليه وسلم : (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلً) أن يا ما محمد فوَّض الله في جميع أمورك، وثق بأنه كفيل بها، فهو كافيك وناصرك، ومسير أمورك، ودافعًا عنك السوء، فإن الله هو خالق كل شئ، وهو أعلم بالخير للجميع.[5]