من أشد العقوبات أن يختم الله على قلب العبد
إذا أفرط الإنسان في ارتكاب الذنوب، تتنزل عليه أشد العقوبات أن يختم الله على قلبه، لأن الذنوب تغلق القلوب إذا تتابعت وراء بعضها البعض، وإذا أغلقت القلب يأتي الختم من الله عز وجل، ويطبع الله على قلب الإنسان، قال تعالى: (خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ)
الإنسان الذي يطبع الله على قلبه يكون الشيطان قد استحوذ عليه، فوسوس له، وانحاز إليه الإنسان بإرادته فلا يفقه ولا يسمع ولا يعقل، وبعد أن يغلق قلب المسلم ولا يبقى هناك مسار لوصول الحق إليه، لا يستطيع الإيمان أن يتسرب إلى قلب المؤمن، ويصبح الكفر أقرب إلى الإنسان من الإيمان، لكن الختم على القلوب يمكن أن يكون جزئي ويمكن أن يكون تامًا
أنواع القلوب وأشكالها ثلاثة وهي:
قلب سليم: هذا القلب هو أساس لدخول الجنة، قال تعالى: يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ {الشعراء: 88-89}، والقلب السليم هو القلب الذي ينجو من النار، وهو القلب الذي يتبع أوامر الله ويتجنب نواهيه، ويكون محميًا من الشهوات، والعبودية لغير الله عز وجل
القلب الميت: هذا القلب هو العكس تمامًا للقلب السليم، فهذا القلب تكون بوصلته ووجهته هي الشهوات، وحب الدنيا، واللذات والمعاصي، فلا يرشده إلى شهوته، وهواه، ولا يكترث لرضا الله أو غضبه، بل يقوم بما يهوى وما يشاء وما يعجبه دون أن يضع أي اعتبارًا للدين القويم
القلب المريض: هذا القلب يمثل قلوبنا، وهذا القلب فيه سلامة وفيه مرض، فهو تارةً يميل لطريق الحق ويلتزم بالعبادات وبما امرنا الله به، وتارةً أخرى ينحرف عن الطريق المستقيم من أجل اتباع الشهوات واللهو، وبهذا يكون الهلاك.
إذا أراد الإنسان أن يتوب حتى ولو كان قلبه ميتًا، لكن الله أحياه، وألهمه طريق الرشد قبل أن يطبع الله على قلبه، فعليه الالتزام بقراءة القرآن، لأن القرآن شفاء للصدور والقلوب، والله عز وجل ينظر إلى قلوبنا وأعمالنا، ولا يهمه صورنا أو أموالنا كما يفعل عامة الناس، ومن شُفي قلبه، فقد فاز، قال تعالى: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا {الأنعام: 122} [1] [2]
متى ينزل الله أشد العقوبات بأن يختم على قلب العبد
يختم الله على قلب العبد عندما يكفر بالإيمان، ولا يكون لديه أرضية للتقوى، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [البقرة: 6].
الكفر يكون للأشخاص المطبوع على قلبهم عملية بسيطة، ويكون الكفر منهاجًا لحياتهم، والشهوة هي الأساس، على سبيل المثال، يستمر الرجل بالسرقة حتى بعد تحسن مستوياته المعيشيه، لكنه اتخذ السرقة منهاجًا لحياته، ويستمر الرجل بالزنا حتى بعد الزواج، وبعد إنجاب الأولاد، أو يتخذ الرجل من النفاق، والفتنة، والرياء منهاجًا لحياته مستمر، وهذه الخصل جميعها تهلك النفس.
بعد كل هذا التمادي في المعاصي، يختم الله على قلبهم، فيكون ذلك بمثابة توثيق على أن هؤلاء الأشخاص أصبح مفروغ من هدايتهم، وسوف يستمروا بطغيانهم وكفرهم إلى وفاتهم. [3]
ختم الله على قلوبهم فهم لا يفقهون
يكون الختم على قلوب الكفار والمسلمين العاصين، فأما الختم على قلوب الكفار فإنه يكون دائمًا إلا من رحم ربي، والطبع على قلوب المسلمين العاصيين يكون بسبب ذنوبهم ودرجة عصيانهم وانشغالهم في الملذات ونسيانهم أمور الدين، وتقويم النفس ومجاهدتها في سبيل رضى الله عز وجل، قال تعالى: ( فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً ) النساء/ 155 .
والطبع كما رأينا لا يكون فقط للكافرين، بل يكون في قلوب المسلمين الذين تمادوا في المعاصي، وغرتهم الدنيا الجميلة ظاهريًا، فانغمسوا بها، وظنوا أنهم بذلك يحسنون صنعًا، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ العَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ ، وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ ، وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ ( كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) . ومعنى الران هو الطبع. [4]
هل من توبة بعد الختم على قلب العبد
الإنسان الذي يغتر بذنوبه، ويغتر بالدنيا تهزمه، وكم من أشخاص انغمسوا في الدنيا، وجذبتهم إليها، فنسوا أنفسهم ونسوا الله عز وجل في سبيل لهوهم، وفي سبيل سعادتهم الزائفة المؤقتة، فكانت النتيجة أن ختم الله على قلوبهم وسمعهم، فأصبحوا حتى لو سمعوا الحق أو النصيحة، لا يمكنهم أن يتبعوها، لأنهم لا يبصروا الهدى، ولا يفقهون شيئًا.
لكن الإنسان مهما بلغت ذنوبه، ومهما بلغ ما اقترف من أخطاء في حياته، والمختوم على قلبه وسمعه، والشخص الضال الذي يكون أبعد ما يمكن عن الهداية إذا شاء الله لهداه، قال تعالى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ {الجاثية:23}. والله عز وجل يوضح لنا أيضًا أن الاشخاص الذي طبع على قلوبهم قليل منهم يهتدي بعد ذلك ويعود للصواب إلا بمشيئة الله عز وجل، إذا كان في قلب هذا الشخص بصيص إيمان، أو عمل صالح فعله، فهداه الله بسببه، قال تعالى: بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا {النساء:155}.
الله سبحانه وتعالى لا يعجزه شيء، يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وقد فتح الله عز وجل باب التوبة لجميع عباده كي يعودوا إلى الهدي قبل فوات الأوان، مهما كانت ذنوبهم، وحتى لو بلغت عنان السماء، وقد بشرنا الله أن التائب يعود كمن لا ذنب له، وجميعنا نعلم القصة التالية لرجل قتل 99 شخصًا، وما من ذنب أعظم من قتل النفس التي خلقها الله عز وجل، ثم سأل شيخًا هل له من توبة، فأجابه الشيخ كلا، فقتله، فأصبحوا 100 شخص، ثم انطلق وسأل شيخًا آخر فأجابه بنعم، فانطلق إلى مكان يعبد فيها الناس الله، فأتاه الله الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقاسوا ما بين الأرضين، فوجدوا أنه أقرب بشبر واحد لطريق الحق، فقبضته ملائكة الرحمة.
لسنا بصدد مناقشة إذا كانت هذه القصة حقيقية فعلًا أو سندها ضعيف، لكننا ذكرنها لتوضيح رحمة الله، وأنه لا يجب أن ييأس الإنسان من روح الله مهما بلغت ذنوبه. [5]