الرد على عظم الله اجركم واحسن الله عزاكم
الرد على عظم الله اجركم واحسن الله عزاكم هو جزاك الله خيرًا، أو رحمنا الله وإياك واستجاب دعاءك.
من السنة النبوية تعزية أهل الميت وإلهامهم الصبر على ما فقدوه، ويجب أن يكون ذلك بالكلام الذي يخدم هذا الغرض، ومن أفضله ما أتى عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما كان يعزي إحدى بناته على ابنها المتوفي، كانت كلماته: “لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب”، ولا مانع من استخدام تعابير أخرى مثل: “عظم الله أجركم، أو أحسن الله عزاءكم وغفر لميتكم”، ويتم الرد عليه بـ”جزاك الله خيرا، أو رحمنا الله وإياك واستجاب دعاءك” ونحو ذلك، وأيضًا إذا تم تعزيته ب”البقاء الله” فيمكنه الرد بالرد السابق؛ فعبارات التعزية ليست مقتصرة على ردود معينة بشكل عام، بل يجوز الرد عليها بأي دعاء للمعزي، فقال الشافعي -رحمه الله-: “وليس في التعزية شيء مؤقت يقال لا يعدى إلى غيره”.
وقال النووي على استحباب التعزية بكل العبارات: “ومن أحسنه ما ثبت في الصحيحين عن أسامة بن زيد ـرضي الله عنهماـ قال: أرسلت إحدى بنات النبي صلي الله عليه وسلم إليه تدعوه وتخبره أن صبيا لها أو ابنا في الموت، فقال للرسول ارجع إليها فأخبرها أن لله ما أخذ وله ما أعطي وكل شيء عنده بأجل مسمي، فمرها فلتصبر ولتحتسب”.[1]
حكم تعزية المسلم
تستحب تعزية أهل المتوفي، وذلك بإتفاق المذاهب الأربعة “الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة”.
فعن أسامةَ بنِ زيدٍ -رَضِيَ اللهُ عنه- قال: “كنَّا عند النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ إذ جاءه رسولُ إحدى بناتِه يدعوه إلى ابنِها في المَوتِ، فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ارجِعْ، فأخْبِرْها أنَّ لِلَّهِ ما أخَذَ، وله ما أعطى، وكُلُّ شيءٍ عنده بأجَلٍ مُسَمًّى، فمُرْها فَلْتَصبِرْ ولْتَحتسِبْ، فأعادتِ الرَّسولَ أنَّها أقسَمَتْ لَتَأتِيَنَّها، فقام النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وقام معه سعدُ بنُ عُبادةَ، ومعاذُ بنُ جَبَلٍ، فدُفِعَ الصبيُّ إليه ونَفْسُه تَقَعقَعُ كأنَّها في شَنٍّ، ففاضَتْ عيناه، فقال له سعدٌ: يا رسولَ اللهِ! قال: هذه رحمةٌ جَعَلَها اللهُ في قلوبِ عِبادِهِ، وإنَّما يَرحَمُ اللهُ مِن عبادِه الرُّحَماءَ”.
وعن عمرِو بنِ حزمٍ -رَضِيَ اللهُ عنه-، قال: قال رسولُ اللهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: “ما من مُؤمنٍ يُعزِّي أخاه بمصيبةٍ إلَّا كَسَاه اللهُ من حُلَلِ الكرامةِ يومَ القيامةِ”
وعن معاويةَ بنِ قُرَّةَ، عن أبيه، قال: “كان نبيُّ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم إذا جلس يجْلِسُ إليه نفَرٌ من أصحابه، وفيهم رجلٌ له ابنٌ صغيرٌ يأتيه مِن خَلْفِ ظهرِه، فيُقْعِدُه بين يديه، فهَلَك فامتنَعَ الرَّجُلُ أن يحضُرَ الحلقَةَ لذِكْرِ ابنِه، فحَزِنَ عليه، ففَقَدَه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال: مالي لا أرى فلانًا؟ قالوا: يا رسولَ الله، بُنَيُّه- الذي رأيتَه- هَلَكَ، فلَقِيَه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فسأله عن بُنَيِّه، فأخبَرَه أنَّه هَلَكَ، فعَزَّاه عليه”، والتعزية تندرج تحت قوله تعالى :”وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى” [المائدة:2].[2]
آداب التعزية
تستحب التعزية لأهل الميِّت على فقيدهم، ومعنى التعزية هي أن نهون على أهل الميت بما يمنعهم من الحزن، عن طريق الكلم الطيب الذي لا يخالف الدين والشرع، وأن ندعوا للميت بالرحمة قبل الدفن وبعده، وقد ورَد عن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- بعض الكلمات في التعزية؛ مثل عندما عزّى إبنته في إبنها فقال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: “إنَّ لله ما أخَذ، وله ما أعطى، وكلُّ شيءٍ عنده إلى أجَلٍ مُسمى، فلتَصبر ولتَحتسب”، وما عزَّى به عبدالله بن جعفر في أبيه، فقال: “اللهمَّ اخْلف جعفرًا في أهله، وبارِك لعبدالله في صفقة يمينه” وقالها ثلاث مرات، ويجب مراعاة بعض الأمور في التعزية:
- من السنة النبوية تجهيز طعام لأهل الميت يشبع حاجاتهم، لما قاله -صلى الله عليه وسلم- عند مجيء نعي جعفر: “اصْنَعوا لآل جعفر طعامًا، فقد أتاهم أمرٌ يَشغلهم، أو أتاهم ما يَشغلهم”، ويجب تجنب صنع كميات كبيرة من الطعام لأسرة المتوفى حتى يتمكن الناس من تناول الطعام معهم، فقال ابن عثيمين: “فنجد البيت الذي أُصيب أهله كأنه بيت عُرسٍ، وهذا لا شكَّ أنه من البِدَع المُنكرة”، ويستثني من ذلك إذا جاء المعزّون من أماكن بعيدة، فيمكن تحضير الطعام لهم؛ لأن هذا لا يشبه اجتماع الحداد.
- أيضا من البدع إقامة الجنازات والتجمعات، في الأجنحة المبنية أو في القاعات، أو في المنازل، أو على القبور للجلوس حدادًا على الميت، وتحضير القهوة والشاي ونحو ذلك؛ فعن جرير بن عبدالله قال: “كنَّا نَعدُّ الاجتماع إلى أهل الميِّت وصنيعة الطعام بعد دفْنه من النياحة”، وقال ابن القيِّم: “وكان مِن هدْيه -صلَّى الله عليه وسلَّم- تَعْزية أهل الميِّت، ولَم يكن من هدْيه أن يَجتمع للعزاء، ويقرأ القرآن لا عند قبره، ولا عند غيره، وكلُّ هذا بدعة حادثة مكروهة”.
- إذا تمت دعوتك إلى الطعام الذي يقدم في الجنازات، من المرجح عدم استجابتك للدعوة لأنها من البدع.
- ومن البدع أيضًا ما يسميه البعض عشاء الموتى أو عشاء الوالدين، فيجتمع الناس كل عام، على سبيل المثال في شهر رمضان، تحت مسمى صدقة عن الميت.
- وتوزيع الختمه على المعزّيين، وجعل كل واحد منهم يقرأ جزء من القرآن عند الحداد، هو بدعة لا أصل لها في السنة.
- ويجوز تكرار العزاء بعد فترة من الوفاة إذا علم أن هناك فائدة من ذلك، مثل أن تعلم أن الحزن تجدد عند أهل المتوفي لسبب ما، فلا حرج في التعزية مرة ثانية.
- الحداد الواجب على المرأة عند موت زوجها هو أربعة شهور وعشرة أيام، وغير زوجها هو ثلاثة أيام فقط، ويقصد بالحداد: هو تجنب ملابس الزينة ووضع الطيب، وعدم الخروج من البيت إلا للضرورة.
- قراءة سورة الإخلاص أو ما شابه ألف مرة، أو قراءة سورة “يس” أو سورة الفاتحة على روح الميت، كلُّ هذه منكرات وبدعٌ لا أصل لها في الشرع والسنة.
- ومن البدع التي يقوم بها كثير من الناس، إجتماعهم بعد ثلاثة أيام أو كل يوم خميس، ثم يوم “الأربعين”، والاجتماع السنوي، وجعل هذه الأيام كذكرى للميت كل عام، فلا أصل لها من السنة.
- ليس للتعزية وقت محدد في الشرع، والصحيح أن الأحاديث الصحيحة لا تنص على وقت العزاء، والحديث المذكور “لا عزاءَ بعد ثلاث” لا أصل له من الصحة، والصحيح أن التعزية جائزة في أي وقت يحتاج أهل الميت إلى إزاحة الحزن عنهم.
- لا يصح تعزية أهل الكتاب أو المشركين؛ قال ابن عثيمين: “لا تَجوز تعزيته، ولا يجوز أيضًا شهود جنائزهم وتَشييعهم”.
- هناك عبارات يستخدمها عامة الناس في التعازي غير المسموح بها، مثل: (البقيَّة في حياتك)، والرد: (في حياتك الباقية)، أو قولهم: (ما نقَص من عمره، زادَ في عُمرك).
- ومن الأخطاء الشائعة أيضًا: تقبيل المعزّيين، حيث لا دليل على ذلك في السنة النبوية، ويكفي المصافحة.
- وأيضَا من أعظم الذنوب ما تفعله المرأة عندما تأتي لتقديم العزاء تبدأ بالبكاء والصراخ والنحيب.
- ومن أحد الأخطاء الشائعة: استعمال كلمة “المرحوم”، أو “المغفور له”، في الدعاء، فيجب قول: “رَحِمه الله”، أو “غفَر الله له”.[3]