موقف المؤمن من الأخذ بالأسباب
يجب على المؤمن الأخذ بالأسباب مع التوكل على الله، والمؤمن مطالب بالأخذ بالأسباب، لأن الأخذ بالأسباب عبادة، ويجب أن يعتمد المؤمن على كل من الأخذ بالأسباب والتوكل على الله، فإذا كان الشخص يتوكل فقط على الله دون السعي والأخذ بالأسباب فهو على خطأ، وإذا كان يسعى بدون أن يلجأ إلى الله عز وجل، فهو مخطئ أيضًا
قمة العبودية لله عز وجل أن تتوكل عليه، وتلجأ إليه وحده، وتطلب منه وحده، ثم تستقيم في الحياة، وتأخذ في الأسباب، قال تعالى (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا * فَأَتْبَعَ سَبَبًا) سورة الكهف
الله سبحانه وتعالى خلق لكل شيء سبب، على سبيل المثال الماء سر لاستمرارية الحياة، قال تعالى (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) [سورة الأنبياء]، وجعل الله عز وجل الجبال والأنهار سبب لاستمرارية الحياة، ثم أمرنا الله عز وجل أن نأخذ بالأسباب ونقوم بالتحرك لا بالسكون.
فالذي يجلس في بيته وينتظر نزول الرزق، فهو على خطأ، ولم يحقق التوازن بين السعي والتوكل، والله عز وجل أمرنا بالسعي والتوكل بشكل صريح في القرآن الكريم، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) [سورة الملك]
كما أن الأنبياء جميعًا قد أخذوا بالأسباب، مع أنهم أفضل المتوكلين على الله، ولو شاؤوا لكان الله أهلك أعدائهم، لكن كل محطة من حياتهم كانت بمثابة درس لنا لتعليمنا كيف نعيش حياتنا، فالنبي نوح عليه السلام صنع الفلك، كي ينجو من الطوفان هو ومن آمن معه، والله سبحانه وتعالى ألهمه بذلك لينجو من الغرق، وهذا دليل على الأنبياء كانوا يأخذون بالأسباب.
والنبي يعقوب عليه السلام بحنكته أمر أبنائه أن يتفرقوا عندما دخلوا مصر، كي لا يعرفونهم في البلد، وأمر يوسف عليه السلام ألا يقصص رؤيته على إخوته، فيكيدون له المكائد، وفي ذلك حيطة وحذر مع الأخذ بجميع الأسباب، قال تعالى (قَالَ يَابُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [سورة يوسف]
ولنا في نبينا أسوةٌ حسنة، فالنبي محمد عليه الصلاة والسلام هاجر إلى المدينة المنورة كي يتخلص من أذية المشركين، وكان كل أمر يقوم به فيه درس لنا، ودخل إلى غار ثور كي يتخلص من ملاحقة المشركين له. [1]
معنى كلمة الأخذ بالأسباب
الأخذ بالأسباب يعني طرق كل السبل الممكنة، والسعي الحثيث في طلب الرزق، أو في تحصيل العلم، والأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل على الله، ومن اعتمد على الأسباب فقط بدون التوكل على الله فهو مشرك، ومن توكل على الله بدون عمل فهو شخص جاهل، والمؤمن الواعي هو الذي يوازن ويجمع بين الأمرين.
فلا يجب على الشخص إذا مرض أن يتوكل على الله فقط دون أن يذهب إلى الطبيب أو يأخذ العلاجات المناسبة، لأن الله أمره أن يأخذ بالأسباب، فهو في ذلك ينافي الأمور الإلهية، أو يبيع دكانه، وينتظر أن تمطر عليه السماء رزقًا، ويجلس في المنزل بدون سعي، ويطلب من رب السماء أن يرزقه، وهذا تصرف خاطئ مئة بالمئة.
والسعي لا ينافي النوكل، كان المسلمون يعدون العدة لملاقاة العدو في الجهاد ويضعون الخطط، والعتاد كي ينتصروا على المشركين، ولو توكلوا فقط على الله دون استعداد لملاقاة المشركين، لكانوا غلبوهم في المعركة، لكن لا يجب الاعتقاد على الإطلاق أن الأخذ بالأسباب بدون توكل ولجوء إلى الله ينفع الشخص، ولا يجب أن يعول المسلم بقلبه على الأسباب، بل على الله تعالى.
قال صلى الله عليه وسلم: لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة حطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه، أو منعوه. [2] [3]
حكم ترك الأخذ بالأسباب
الأخذ بالأسباب واجب، وعلى المؤمن أن يجمع بين الأمرين وهما الأخذ بالأسباب والتوكل على الله، وكان الرسل جميعهم يأخذون بالأسباب كما رأينا في الأمثلة السابقة، والنبي عليه الصلاة والسلام الذي لنا في أسوةٌ حسنة كان يأخذ بالأسباب ويتوكل على الله، وهو إن شاء لكان الله أغناه ونصره على أعدائه دون أن يحرك ساكنًا، لكنه لم يعلمنا ديننا فقط، بل علَمنا أسلوب حياتنا، يوم حمل الدرع كي ينجو من المشركين في المعركة، وعندما هاجر إلى المدينة المنورة، وكان عليه الصلاة والسلام أكمل الناس إيمانًا وأكملهم توكلًا على الله.
من امثلة التوكل المذموم
فلتكن قدوتنا نبينا الكريم الذي كان يأخذ بالأسباب جميعها، وعلمنا أن نعقل ونتوكل، ولا يجب أن يلجأ المؤمن بنفس الوقت إلى التوكل المذموم، على سبيل المثال:
- شاب يريد الفوز في مباراة رياضية دون التدرب الكافي، فهو على خطأ
- إنسان يريد تحصيل الرزق بدون عمل، ويجلس في المنزل بدون عمل
- شابة تريد خسارة الوزن، وهي مستمرة في تناول الطعام بشراهة
- شاب يريد أن تنمو عضلاته، دون أن يتدرب ويذهب إلى النادي
- شخص يريد النجاح في الامتحانات دون دراسة
هذه الأمثلة جميعها عن أشخاص توكلوا توكل مذموم بدون عمل، وهذا الأمر خاطئ، فعلى المسلم أن يأخذ بالأسباب ويتوكل على الله، ومحو الأسباب يكون باب من أبواب نقص العقل، لأنه لا يمكن لعقل إنسان بشري أن يتخيل أنه سينجح في امتحاناته بدون تحضير ودراسة، فهذا يعتبر من التواكل والعجز المذموم، وليس من التوكل المحمود على الله الذي علَمنا أن نربط بين المسببات والأسباب، لكن قلب المؤمن يجب أن يكون معتمد على الله وحده. [4] [5]
التوكل على الله لا ينافي الأخذ بالأسباب
أمرنا الله عز وجل أن نأخذ بالأسباب مع الإيمان بأن كل شيء بيد الله وحده، فهو إذا شاء منع وإذا شاء أعطى، وحتى الأسباب لا تعطي النتائج إذا لم يأمر الله بذلك، على سبيل المثال، لو أراد الشخص الإنجاب، يجب عليه الزواج واختيار المرأة الصالحة، لكن حتى بعد الزواج، يمكن أن ينجب الشخص، ويمكن أن يكون عقيمًا، أي أن الأخذ بالأسباب ليس بالضرورة أن تكون نتيجته الحتمية هي العطاء، فقد يكون لله سبحانه وتعالى حكمة أخرى
وإذا اعتبر المسلم أنه لو أخذ في الأسباب واعتبر أن هذه الأسباب وحدها ستؤدي إلى نتيجة، فهو باب من أبواب الشرك، ولو أعرض عن الأسباب فهو لم يمتثل لأوامر الله
قد يبدو من السهل فهم الفرق بين معنى التوكل على الله والإيمان بالقضاء والقدر والأخذ بالأسباب، لكننا في الحقيقة نواجه في حياتنا دروسًا عديدة تختبر بها إيماننا، ونواجه بشكل يومي موازنة بين الأخذ بالأسباب وبين التوكل على الله، ونواجه الخذلان إذا لم نحصل على مبتغانا، لذلك هوَن الله علينا بالإيمان بالقضاء والقدر، فربما أخذنا بالأسباب، لكن الله منع عنا العطاء، لحكمة ربانية، وربما أراد لنا الأفضل فمنع عنا ما كنَا نظنه خير بمعرفتنا المحدودة. [6]