ليس الشديد بالصرعة انما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب
لأن الإنسان حينما يحتدم الحنق في قلبه، ويمتلئ غيظاً وغضباً فإن السيطرة على النفس عند ذلك وكبح جماحها عن التعدي يحتاج إلى صبر عظيم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس الشديد) يعني: ليس الإنسان الشديد هو الشديد بالصُّرَعة.
يدفع الغضب أصحابه إلى فعل ما لا يُحمد عُقباه، حيث أن الإنسان عندما يتملكه الغضب يفعل ما يندم عليه عندما يزول غضبه، وهذا ما يفعله بك الغضب المذموم، ينقسم الغضب إلى نوعين :
الغضب المذموم.
الغضب المحمود.
يؤثر الغضب على نفسك والمجتمع ككل، ويمكن أن يهديك السعادة أو الشقاء، ويؤدي بك إلى الثواب أو العقاب، وإليك نوعي الغضب :
الغضب المذموم : هو الغضب الذي يصل بصاحبه إلى الندم، حيث أنك تندم على أمر من أمور الدنيا عديمة القيمة، فالغضب نار في القلب تدفع صاحبها للعصبية والحميَّة، والانتصار للنفس، ويترتب على هذا الغضب ندم وفساد مجتمعي عظيم، وقد حذرنا رسول الله صلَّ الله عليه وسلم من الغضب قائلًا : (ليس الشديد بِالصُّرَعَةِ ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) والصرعة هي أن يغلب الإنسان الناس بقوته، وقال ناصحً رجلًا طلب النُصح : (لا تغضب ولك الجنة)، وكان يقصد الغضب المذموم الذي يؤذي صاحبه.
الغضب المحمود : الغضب لنصرة الحق، والدفاع عن دين الله تعالى، والغيرة على محارم الله، والغضب من المنكر وإنكاره، وقد كان رسول الله صلَّ اله عليه وسلم يغضب غضبًا محمودًا، كان يغضب لله ولحرمات الله، لم يكن يغضب من أجل الانتصار لنفسه، فكان يغضب عن قتل مسلم، أو سرقته، وغيرها مما حرَّم الله تعالى، ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت : (ما ضرب رسول الله صلَّ الله عليه وسلم شيئا قط بيده، ولا امرأة ولا خادما، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله، فينتقم لله عز وجل)، وشهد أنس رضي الله عنه عن خُلُق النبي صلَّ الله عليه وسلم فقال : (خدمت رسول الله صلَّ الله عليه و سلم عشر سنين لا والله ما سبني سبة قط، ولا قال لي أف قط، ولا قال لي لشيء فعلته لم فعلته، ولا لشيء لم أفعله ألا فعلته).
من يملك نفسه عند الغضب اعظم الناس اخلاقا
أمر رسول الله صلَّ الله عليه وسلم بتجنب ما يؤدي إلى الغضب من حقدٍ وحسد، وجدال وخلاف، ونهى عن حب الدنيا والحرص عليها، وقد كان رسول الله أعظمنا خلقًا وكان لا يغضب إلى غضبًا محمودًا وقد أهدى إلينا رسول الله وصايا تقينا الغضب، فإذا فعلتها كنت من أعظم الناس أخلاقًا وملكت نفسك عند الغضب، إليك ما أوصاك به رسولك أن تفعله عند الغضب :
- استعذ بالله من الشيطان الرجيم، لقد أخرج الشيطان آدم عليه السلام من الجنة، فلا تجعله يُفسد عليك حياتك، ويثير غضبك، فهو يجري من آدم مجرى الدم، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال صلَّ الله عليه وسلم : (إذا غضب الرجل فقال أعوذ بالله، سكن غضبه).
- غيِّر مكانك، إذا كنت واقفًا فاجلس، وإذا كنت جالسًا فاضطجع، ففي ذلك تهدئةً للنفس، فعن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلَّ الله عليه وسلم قال : (إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع)، فقد أكدت الدراسات المعاصرة أن الإنسان يكون مهيئًا للانتقام وردود الأفعال العنيفة في حال وقوفه أكثر منه في حال جلوسه، واضطجاعه.
- اسكت واضبط لسانك : قد يتلفظ الإنسان حال غضبه بما لا يليق ويؤدي به ذلك للندم فيما بعد، قال رسول الله صلَّ الله عليه وسلم : (علِّموا ، ويسِّروا ولا تعسّروا ، وإذا غضب أحدكم فليسكت ، قالها ثلاثًا)، وقد أوصى الرسول بالصمت على وجهٍ عام، حيث أن الصمت لا يأتي إلا بالسلامة، فقال صلَّ الله عليه وسلم : (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليقل خيرا أو ليصمت).
مواقف غضب بها رسول الله صلَّ الله عليه وسلم
كان رسول الله صلَّ الله عليه وسلم لا يغضب إلا عندما تُنتهك حرمات الله، وفي حال تأخُر العباد عن فعل الخير، فلم يكن يغضب انتصارًا لنفسه أو حبًا في الدنيا، ومن مواقف الرسول صلَّ الله علي وسلم التي ظهر فيها عليه حين بعث أسامة بن زيد رضي الله عنه في سريّة ، فقام بقتل رجلٍ بعد أن نطق بالشهادة ، وكان يظنّ أنه إنما قالها خوفاً من القتل، فبلغ ذلك النبي صلَّ الله عليه وسلم فغضب غضباً شديداً وقال له : (أقال : لا إله إلا الله وقتلته؟ قلت : يا رسول الله، إنما قالها خوفا من السلاح، قال : أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا ؟ فما زال يكررها حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ ).
غضب الرسول عندما علم أن أحد الأئمة يطيل على الناس في الصلاة، وأتى رجلًا إليه يشكو المشقة التي يلاقيها المصلين بسبب الإطالة، قال أبو مسعود : (ما رأيته غضب في موضع كان أشد غضبا منه يومئذ، ثم قال صلَّ الله عليه وسلم : يا أيها الناس إن منكم لمنفرين، فأيكم ما صلى بالناس فليتجوز، فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة)، وقد غضب عندما حث الناس على أداء الصدقة فتباطئوا، عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال : (خطبنا رسول الله صلَّ الله عليه وسلم فحثنا على الصدقة، فأبطأ الناس، حتى رؤى في وجهه الغضب).
رُوي عن عائشة رضي الله عنها أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا : من يكلم فيها رسول الله صلَّ الله عليه وسلم (أي في العفو عنها)، فقالوا : ومن يجترئ عليه إلا أسامة حبيب رسول الله صلَّ الله عليه وسلم فكلمه أسامة، فقال رسول الله صلَّ الله عليه وسلم : (أتشفع في حد من حدود الله؟ ثم قام فاختطب فقال : أيها الناس إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)، ظهر غضب الرسول صلَّ الله عليك وسلم في هذا الموقف حيث أنه يغير على دين الله وشريعته، وقد كانوا يريدون منه أن يعفو عن السارقة، وغضب النبي لم يكن إلا لنصرة الحق وتطبيق الشرع.
حديث عن الغضب
قال رسول الله صلَّ الله عليه وسلم : (من كظم غيظًا وهو يستطيع أن ينفذه ، دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيِّره أي الحور شاء).
قال رسول الله عليه وسلم : (ما نقصت صدقة من مال ، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا ، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله).
عن أنس رضي الله عنه قال : (كنت أمشي مع رسول الله صلَّ الله عليه وسلم وعليه بُرد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي، فجبذه بردائه جبذة شديدة، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلَّ الله عليه وسلم قد أثّرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال : يا محمد مُرْ لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء).[1][2]