اول ما ظهر الشرك في قوم
اول ما ظهر الشرك في قوم نوح عليه السلام .
فَطَر الله خلقه على التوحيد وبعث الرُسُل ليأمرهم بعبادته وحده لا شريك له، قال تعالى : (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)، وقد كان الناس يعبدون الله وحده لا يشركون في عبادته أحد من بداية خلق آدم أبو البشر وحتى قبيل عهد نوح عليه السلام، وكان قوم نوح هم أول من وقع بالشرك على الأرض، وقد نفذ إليهم الشيطان من خلال وضعهم في خلاف بين اتباع بعضهم للأنبياء وعزوف البعض، وقد كانوا يعظِّمون موتاهم حتى أنهم عكفوا على قبورهم ثم صوَّروا التماثيل وجعلهم الشيطان يعبدونها، فكانوا أوَّل من أشرك بالله على الأرض وشركهم كان تعظيم الموتى.
كان نوح عليه السلام هو أول رسول يُبعث في قومٍ مشركين، فقد ابتدع قومه تصوير التماثيل وعبادة الأصنام، قال تعالى : (وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا)، والأسماء التي وردت في الآية كانت لقومٍ صالحين من قوم نوع بعد موتهم عكف القوم على قبورهم وعظموها، ثم صنعوا لهم الأصنام، وعبدوهم، قال البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما : (هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يدعون أنصابًا، وسموها بأسمائهم ففعلوا، فلم تُعبَد حتى إذا هلك أولئك، ونُسخ العلم : عُبدت).
بُعث إلى القوم الذين اول ما ظهر الشرك لديهم رسول الله نوح عليه السلام، وهو : نوح بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ (وهو نبي الله إدريس عليه السلام) بن يرد بن مهلايبل بن قينن بن أنوش بن نبي الله شيث عليه السلام بن آدم أبي البشر عليه السلام، وقد فصل بين عهد آدم ونوح عليهما السلام عشرة قرون لم يتخللهم شِرك، ورد في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما : (ومكث نوح عليه السلام في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له وينهاهم عن عبادة ما سواه فلما أعلمه الله أنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن أهلكهم الله بالغرق بدعوته وجاءت الرسل من بعده تترى).[1]
عدد من اتبع سيدنا نوح على الأرض
اختلف العلماء في عدد من اتبع سيدنا نوح على الأرض كما أن جميع المصادر التاريخية لا يوجد بها ما يدل على ذلك، لكن أغرِق كل من كان على الأرض من قوم نوح عليه السلام ولم ينج من جميع المخلوقات من بشر وحيوانات إلا ما حمله نوح عليه السلام معه في سفينته، قال الله تعالى : (فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ . ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ)، وقال عز وجل : (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ)، وقال تعالى : (فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ).
عُمِّرت الأرض بعد ذلك من نسل نوح عليه السلام، فلم يبقى سوى ذريته قال تعالى : قال الله تعالى : (وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ، وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ، وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ، وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ، سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ، إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ)، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما : (لم تبق إلا ذرية نوح عليه السلام)، وقال قتادة في قوله تعالى : (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ) الناس كلهم من ذرية نوح عليه السلام.
عدد من ركب السفينة مع نوح عليه السلام
عدد من ركب السفينة مع نوح عليه السلام ثمانين نفسًا معهم نساؤهم .
اختلف علماء في عدد من كانوا مع نوح عليه السلام، عن ابن عباس رضي الله عنهما : (كانوا ثمانين نفسا معهم نساؤهم . وعن كعب الأحبار : كانوا اثنين وسبعين نفسا ، وقيل : كانوا عشرة)، وقال جماعة من المفسرين : (ارتفع الماء على أعلى جبل بالأرض خمسة عشر ذراعًا وهو الذي عند أهل الكتاب، وقيل : ثمانين ذراعا، وعَمَّ جميع الأرض طولها والعرض سهلها وحزنها وجبالها وقفارها ورمالها ولم يبق على وجه الأرض ممن كان بها من الأحياء عين تطرف، ولا صغير ولا كبير).
لم يبقَ على وجه الأرض إلى نسل نوح عليه السلام، حتى من نجاه الله تعالى وركب السفينة مع نوح فقد مات بمجرد نزوله من السفينة، فلم يبقى من ذرية آدم إلا ذرية نوح، وجميع الأمم نشأت من نسل أولاد نوح الثلاثة : (حام، وسام، ويافث)، قال ابن عباس : (لما خرج نوح من السفينة مات من معه من الرجال والنساء إلا ولده ونساءه)، وهكذا يتم التوفيق بين الآية وبين قوله تعالى في سورة هود : (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ).
يدل ما جاء في الآيات التالية على استمرار نسل أبناء نوح، وليس كل من حمل نوح معه في السفينة، فلم يكن لمن حمل نوح معه من المؤمنين نسل، قال تعالى : (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا )، وقوله عز وجل : (أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا)، قال العلامة الأمين الشنقيطي رحمه الله : (قوله تعالى : (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) ، بين أن ذرية من حمل من نوح لم يبق منها إلا ذرية نوح في قوله : (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ).[2]
دعوة نوح عليه السلام
أرسل الله تعالى الرسل من أجل الدعوة إلى توحيد الله، وعبادته، يقول تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)، فما من أمة إلا خلا فيها نذير، يقول تعالى في كتابه العزيز : (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ).
أُرسل نبي الله نوح إلى قومه عندما عبدوا الأصنام، وهو من أولي العزم من الرسل، وديانته من أقدم الديانات، وسلك منهجًا في دعوة قومه يتلخص في أصول ثلاثة :
- أمر قومه بعبادة الله وحده لا شريك لها قال تعالى : (فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ).
- أبطل حججهم في الشرك، ونهاهم عن عبادة الأصنام قال تعالى : ( أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ).
- خوَّفهم من عاقبة شركهم قال تعالى : (إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ).
وقد دعا رسول الله نوح قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا، ولم يبدأ بترهيبهم فكان رحيمًا عليهم، ودعاهم بجميع الطرق الممكنة، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّ الله عليه وسلم : (يَجِيءُ نُوحٌ وَأُمَّتُهُ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ نَعَمْ أَيْ رَبِّ، فَيَقُولُ لِأُمَّتِهِ : هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ لاَ مَا جَاءَنَا مِنْ نَبِيٍّ، فَيَقُولُ لِنُوحٍ : مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ : مُحَمَّدٌ صلَّ الله عليه وسلم وَأُمَّتُهُ، فَنَشْهَدُ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ، وَهُوَ قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ : وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَالوَسَطُ العَدْلُ).[3]