عندما صعد أول رائد فضاء إلى الفضاء الخارجي عام 1961، فوجئ بظلمته الحالكة و بليله الدامس المحيط بالشمس و الأجرام كافة، و إذا به يتصل بمركز انطلاق المركبة، و يخبر الباحثين بأنّه لا يرى شيئاً و كأنّ العمى قد أصابه، و على الرغم من أنّ المركبة انطلقت في وضح النهار، إلا أنّه بعد وقت قليل من تجاوز الغلاف الجوي، دخل في منطقة لا هواء فيها، و أصبح الجو في الفضاء ظلاماً مهيمناً. و هنا جاء السؤال: لماذا لا تضيء الشمس الفضاء بينما تضيء الأرض؟
في الواقع إنّ أشعة الشمس إذا وصلت إلى الغلاف الجوي تتناثر، فانتشار الضوء ظاهرة علمية أساسها أنّ أشعة الشمس تنعكس على ذرات الهواء، و كلّ ذرة تعكس على أختها من أشعة الشمس شيئاً.
و في الأرض تبدو هذه الظاهرة جلية حتى و إن كان هناك غياب لأشعة الشمس، حيث يبدو النهار مضيئاً، و نرى كلّ شيء.
أمّا في الفضاء الجوي فلا وجود لهواء، أي لا انتشار للضوء، فالجو هناك ظلام دامس، و لا يرى في الفضاء الخارجي إلا قرص الشمس فقط.
و الأصل في الفضاء الخارجي هو الظلام و الظلمة نسبية، فالفضاء ممتلئ بالموجات الكهرومغناطيسية التي تتحرك في جميع الاتجاهات و السبب في كوننا لا نراها هو أنّ عين الإنسان لا ترى إلا جزءاً ضئيلاً من هذه الموجات و هي الأطياف المعروفة و لكننا عندما نستكشف الفضاء بأجهزة تستطيع أن ترى الموجات التي لا نراها فإننا نرى الفضاء ممتلئً بالأشياء المبهرة.
و هكذا نرى أن الظلمة عبارة عن عدم شعاع ضوئي. و الضوء تشعه النجوم في الفضاء، و هذه النجوم غير كافية لنشر ضوء في جميع أنحاء الفضاء، و لذا نرى الكون مظلماً مع نقاط مضيئة هي النجوم، و هذا يعني أنّ ظلمة الفضاء الخارجي ظاهرة بالنسبة لأعيننا و لو استطعنا كبشر رؤية كلّ أطياف الموجات الكهرومغناطيسية لرأينا العجب العجاب!
و إنّ وكالة الفضاء الأمريكية "سانا" قد تمنح البعض من غير المختصين فرصة للسفر إلى الفضاء ليعاينوا مشهداً ساحراً و محيراً لم يسبق لأحد رؤيته من قبل على الأرض، و هو مشهد الليل الدائم رغم بزوغ الشمس، لكنّ القرآن الكريم يمنح كلّ إنسان على وجه الأرض فرصة مجانية للتمتع بالمشهد الساحر لظلمة الفضاء في لحظات من دون مخاطر المجازفة بالسفر إلى الفضاء و هو أن يغمض عينيه في النهار ليرى المشهد الساحر لظلمة الفضاء رغم بزوغ الشمس.