إذا أردت أن تصف شخصاً حُبي بقوة البصر، فأنت ستقول: "إنّ فلاناً مثل زرقاء اليمامة". و لكن، إلى أيّة درجة كان بصر زرقاء اليمامة قوياً؟ و هل كان ذلك حقيقياً؟

يُحكى أنّه في العصر الجاهلي، كان يسكن أرض اليمامة قبيلتان كبيرتان قويّتان هما "جديس و طسم"، تقوم بينهما حروب كثيرة. و كان في قبيلة "جديس" فتاة صغيرة ذات نظر قوي جداً، تستطيع أن ترى بعينيها مسافات بعيدة جداً، و لذلك سمّاها الناس زرقاء اليمامة.

فقد كانت تساعد قبيلتها في الحروب، و تقف فوق جبل عالٍ و تنظر في اتجاه أرض الأعداء، و ترى جيشهم قادماً من بعيد، قبل أن يصل بيوم و ليلة، فتخبر رجال قبيلتها فيحملون السّلاح، و ينتظرون في القلاع، و عندما يقترب رجال قبيلة "طسم"، ينقضّون عليهم و يهزمونهم .و هكذا في كل مرّة ينتصر أهل زرقاء اليمامة على المهاجمين .
و عندما عرف قائد قبيلة "طسم" سرّ زرقاء اليمامة التي تراهم من مسافات بعيدة، و تخبر جيشها فيستعدّون، أدرك أنّهم لن يستطيعوا هزيمة قبيلة زرقاء اليمامة بسهولة، و فكّر في حيلة ينتصر بها على خصمه، و أخيراً اهتدى إلى خطّة ماكرة، فجمع جنوده و قال لهم: على كلّ رجل أن يقطع شجرة صغيرة أو غصن شجرة كبير و يحمله بيده و يمشي و يختبئ خلفه، حتى إذا نظرت زرقاء اليمامة من بعيد، فلا ترى إلا شجراً فتظنّه مثل بقيّة الأشجار، و الشجر كثير هنا كما ترون.
نفّذ الجنود أمر قائدهم، و بدؤوا يتحرّكون من خلف الجبل في اتجاه قبيلة زرقاء اليمامة، و مع كلّ منهم شجرة صغيرة يختبئون ورائها و ساروا بسرعة في اللّيل، و عندما طلع النّهار رأت زرقاء اليمامة شجراً يتحرّك، و كأنّه يمشي، فقالت لقومها: أرى شجراً يمشي نحونا، فضحك قومها و سخروا منها .فقالت لهم: لعلّ وراء هذا الشّجر فرساناً.

فلم يهتم القوم بما قالته، و قالوا: لا يوجد هناك شجر يمشي و يتحرّك، عودوا إلى بيوتكم، و عند الصّباح نرى جميعاً كيف يمشي الشّجر.
لكن، عندما أتى الصّباح، وصل جنود قبيلة "طسم"، و هجموا على قبيلة زرقاء اليمامة، و قتلوا و أسروا منهم عدداً كبيراً، و فقدت زرقاء اليمامة عينيها. فأصبحت مضرب المثل عند العرب بحدّة بصرها و إخلاصها لقبيلتها.
و إنّ في قصة "زرقاء اليمامة" عبرة مهمّة، و هي ضرورة سماع النصيحة التي يُقدِّمها الآخرون ذوو الخبرات السابقة، فقد حذَّرت اليمامة قومها إلّا أنّهم لم يُصدقوها و كانت عاقبتهم و خيمة.