نعم اهل البيت عبد الله وابو عبدالله وام عبدالله هو
من قال فيه رسول الله صلَّ الله عليه وسلم نعم اهل البيت عبد الله وابو عبدالله وام عبدالله هو عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو.
روي عن الإمام أحمد عن طَلْحَةُ بنُ عُبَيْدِاللهِ رضي اللهُ عَنهُ يقول : (سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُوْلُ : نِعْمَ أَهْلُ البَيْتِ : عَبْدُاللهِ، وَأَبُو عَبْدِاللهِ، وَأُمُّ عَبْدِاللهِ)، وعبد الله هو ابن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب كنيته أبو محمد وقد قيل أبو نصر، ولد بمكة وخرج إلى الشام وأقام بها، وكان بينه وبين أبيه ثلاث عشرة سنة، وقيل إحدى عشرة سنة، وقد أسلم قبل أبيه (عمرو بن العاص)،
كان عبد الله بن عمرو بن العاص مجتهدًا في العبادة، غزير العلم، عاش حياةً حافلةً بالعلم، والعمل، والجهاد، والدعوة إلى عبادة الله وحده، نقل عن النبي الكثير من الأحاديث، حيث بلغ ما أَسْنَدَهُ عَنِ النَّبيِّ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَمائَةِ حَدِيْثٍ، فقد ورد في تهذيب التهذيب لابن حجر : (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه وفي أهل بيته: نعم أهل البيت عبد الله وأبو عبد الله وأم عبد الله، قال: وقيل: كان اسمه العاص فلما أسلم سمي عبد الله ولم يكن بينه وبين أبيه في السن سوى إحدى عشرة سنة وأسلم قبل أبيه وكان مجتهداً في العبادة غزير العلم، قال أبو هريرة: (مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثًا عَنْهُ مِنِّي، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلاَ أَكْتُبُ)، وقد كان أبو هريرة من أكثر الصحابة روايةً عن رسول الله صلَّ الله عليه وسلم.
كان عبدالله بن عمرو عابدًا تقيًا
عُرف عبدالله بن عمرو بن العاص بكثرة عبادته، كما عُرف بكثرة روايته عن رسول الله صلَّ الله عليه وسلم، فقد روى الإمام أحد عن عبدالله أنه قال عَن نَفسِهِ : (جَمَعْتُ الْقُرْآنَ، فَقَرَأْتُ بِهِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ : إِنِّي أَخْشَى أَنْ يَطُولَ عَلَيْكَ زَمَانٌ أَنْ تَمَلَّ، اقْرَأْهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي، قَالَ : اقْرَأْهُ فِي كُلِّ عِشْرِينَ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي، قَالَ : اقْرَأْهُ فِي عَشْرٍ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي، قَالَ : اقْرَأْهُ فِي كُلِّ سَبْعٍ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي، فَأَبَى)، فقد كان يقرأ القرآن في كلي ليلة، ويصوم كل نهار.
كان عبدالله تقيًا ورعًا، كثير العبادة حتى حذره النبي من ذلك، روى الإمامُ أحمدُ أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ : (زَوَّجَنِي أَبِي امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ، فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيَّ جَعَلْتُ لَا أَنْحَاشُ لَهَا، مِمَّا بِي مِنَ الْقُوَّةِ عَلَى الْعِبَادَةِ، مِنَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، فَجَاءَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِلَى كَنَّتِهِ، حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهَا : كَيْفَ وَجَدْتِ بَعْلَكِ؟ قَالَتْ: خَيْرَ الرِّجَالِ أَوْ كَخَيْرِ الْبُعُولَةِ، مِنْ رَجُلٍ لَمْ يُفَتِّشْ لَنَا كَنَفًا، وَلَمْ يَعْرِفْ لَنَا فِرَاشًا، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ، فَعَذَمَنِي، وَعَضَّنِي بِلِسَانِهِ، فَقَالَ : أَنْكَحْتُكَ امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ ذَاتَ حَسَبٍ، فَعَضَلْتَهَا، وَفَعَلْتَ، وَفَعَلْتَ، ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَكَانِي، فَأَرْسَلَ إِلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ لِي : أَتَصُومُ النَّهَارَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ : لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَمَسُّ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي)، فقد كان رسول الله صلَّ الله عليه وسلم أسوة للخلق من بعده، فكان لا يبالغ في العبادة حتى لا يشقى الناس من بعده، ويتكاسلوا عنها، فقد كان ييسِّر لا يعسر.
من صفات عبدالله بن عمرو بن العاص
من صفات عبدالله بن عمرو بن العاص أنه كان تقيًأ متواضعًا يخشى الله.
كان عبدالله بن عمرو ثريًا، فقد ترك له أباه الكثير من الذهب، إلا أنه ظلَّ متواضعًا رقيقًا، فقد روي عن النعيم عن أبُو عَبْدِالرَّحْمَنِ الْحُبُلِيُّ أنه قال : سَمِعْتُ عَبْدَاللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ يَقُولُ : (لأَنْ أَكُونَ عَاشِرَ عَشَرَةٍ مَسَاكِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكُونَ عَاشِرَ عَشَرَةٍ أَغْنِيَاءَ، فَإِنَّ الْأَكْثَرِينَ هُمُ الْأَقَلُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِلَّا مَنْ قَالَ هَكَذَا وَهَكَذَا، أي : يَتَصَدَّقُ يَمِينًا وَشِمَالًا).
ضعف بصر عبدالله من كثرة البكاء من خشية الله، فقد روى أبو النعيم عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، أنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عَمْرٍو كَانَ يُكْثِرُ مِنَ الْبُكَاءِ، وَيُغْلِقُ عَلَيْهِ بَابَهُ وَيَبْكِي حَتَّى رَمَصَتْ عَيْنَاهُ)، وقد أُثِرَ عَنهُ أنَّه عندما حضر معركة صفين مع جيش معاوية نزولًا على رغبة أبيه، امتنع عن القتال ولم يرفع سيفه قط، وقَالَ : (مَا لِيَ وَلِصِفِّيْنَ، مَا لِيَ وَلِقِتَالِ المُسْلِمِيْنَ، لَوَدِدْتُ أَنِّي مِتُّ قَبْلَهَا بِعِشْرِيْنَ سَنَةً، أَمَا وَاللهِ عَلَى ذَلِكَ مَا ضَرَبْتُ بِسَيْفٍ، وَلاَ رَمَيْتُ بِسَهْمٍ)، أَخرَجَهُ ابنُ سَعْدٍ.
يقول أحمد بن حنبل : (مات ليالي الحرة وكانت في ذي الحجة سنة 63 هـ)، وقال في موضع آخر : (مات سنة 65 هـ)، واتفق معه بن بكير، وقال في رواية : (مات سنة 68 هـ )، ووافقه الليث، وقيل مات سنة 73 هـ وقيل سنة 77 هـ وقيل غير ذلك وتُوفي بمكة وقيل بالطائف وقيل بمصر وقيل بفلسطين.[1][2]
من أقوال عبد الله بن عمرو
إليك نصًا من أقوال عبد الله بن عمرو :
(ينبغي لحامل القرآن ألاّ يخوض مع من يخوض، ولا يجهل مع من يجهل، ولكن يعفو ويصفح لحق القرآن؛ لأن في جوفه كلام الله تعالى. وينبغي له أن يأخذ نفسه بالتصاون عن طرق الشبهات، ويقل الضحك والكلام في مجالس القرآن وغيرها بما لا فائدة فيه، ويأخذ نفسه بالحلم والوقار.
وينبغي له أن يتواضع للفقراء، ويتجنب التكبر والإعجاب، ويتجافى عن الدنيا وأبنائها، إنْ خاف على نفسه الفتنة، ويترك الجدال والمراء، ويأخذ نفسه بالرفق والأدب. وينبغي له أن يكون ممن يؤمن شره، ويرجى خيره، ويسلم من ضره، وألاّ يسمع ممن نمّ عنده، ويصاحب من يعاونه على الخير، ويدله على الصدق ومكارم الأخلاق، ويزينه ولا يشينه.
وينبغي له أن يتعلم أحكام القرآن فيفهم عن الله مراده، وما فرض عليه فينتفع بما يقرأ، ويعمل بما يتلو، فما أقبح لحامل القرآن أن يتلو فرائضه وأحكامه عن ظهر قلب وهو لا يفهم ما يتلو! فكيف يعمل بما لا يفهم معناه؟! وما أقبح أن يسأل عن فقه ما يتلوه ولا يدريه، فما مثل من هذه حالته إلا كمثل الحمار يحمل أسفارًا.
وينبغي له أن يعرف المكي من المدني؛ ليفرق بذلك بين ما خاطب الله به عباده في أول الإسلام وما ندبهم إليه في آخر الإسلام، وما افترض الله في أول الإسلام، وما زاد عليه من الفرائض في آخره، فالمدني هو الناسخ للمكي في أكثر القرآن، ولا يمكن أن ينسخ المكي المدني؛ لأن المنسوخ هو المتقدم في النزول قبل الناسخ له، ومن كماله أن يعرف الإعراب والغريب؛ فذلك مما يسهل عليه معرفة ما يقرأ، ويزيل عنه الشك فيما يتلو).[3]