تفسير الاية ” قل اعملوا فسيرى الله عملكم “
تفسير الاية هي ان اعمالنا تعرض على الله عز وجل وتعرض ايضًا على النبي عليه الصلاة والسلام وعلى المؤمنين، لقوله تعالى (فَسَيَرَى اللَّهُ عملكم ورسوله والمؤمنون)، ويطلع المسلمين على ما في قلوبهم من خير او شر، فيفرحون بالخير، ويبغضون الشر والمسيء
وهذه الاية فيها تهديد، لأنها تدل على ان الله عز وجل مطلع على كل الخفايا من الامور، ولا يخفى عليه شيء في الارض ولا في السماء، كما تهدد هذه الاية بأن العمل لا يخفى على الله، ولا على الرسول او المؤمنين، وهي تشمل كل من التهديد بترك المعاصي، بالاضافة الى الترغيب بالتقرب من الله عز وجل والاخلاص في العمل واداء الطاعات، لأن المؤمن يعلم تمام العلم بأن الله عز وجل مطلع على الباطن قبل الظاهر، والمقصود من الرؤية في هذه الاية هو العلم ومعرفة الاعمال التي تصدر عن العبد
اذا تفكر المسلم بهذه الاية، يرى عظمة الله المطلع على خفايا الامور، فالعبد اذا علم بأن المعبود لا يعلم الخفايا لارتكب ما يحلو له من الاثام، واستعمل النبي ابراهيم عليه السلام هذا الدليل في رفض الايمان بالاوثان وعبادتهم وحجته التي قالها لأبيه {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} [مريم:42] اي ان الاصنام لا تسمع ولا تعقل، ولا تعرف احوال العباد، فكيف يعبدها الشخص، ولله المثل الاعلى بالطبع، لذلك هذه الاية جاءت لكل من الترهيب والترغيب، والايات التي تدل على اطلاع الله عز وجل على خفايا الامور كثيرة، كقوله عز وجل {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [فصلت:40].
اما بتفسير ابن كثير، فهذه الاية تدل على الوعيد، وفيها تهديد من الله عز وجل لمخالفين اوامره ومتبعي الهوى، بأنه سيعرض اعمالهم يوم القيامة على الرسول والمؤمنين، قال تعالى (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ)، وورد عن النبي عليه الصلاة والسلام ان الاعمال تعرض على الاقارب، فيستبشرون بالخير، ويبغضون الشر، ويتمنون للشخص المخطئ الهداية والعودة الى طريق الايمان، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: “إن أَعْمَالَكُمْ تُعْرَضُ عَلَى أَقْرِبَائِكُمْ وَعَشَائِرِكُمْ فِي قُبُورِهِمْ، فَإِنْ كَانَ خَيْرًا اسْتَبْشَرُوا بِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ قَالُوا: “اللَّهُمَّ، أَلْهِمْهُمْ أَنْ يَعْمَلُوا بِطَاعَتِكَ”
بالرغم من ان بعض الشيوخ مثل الشيخ احسان العتيبي، يجد ان هذه الاية فقط للمنافقين، وهي تدل على تهديد من الله عز وجل بفضح المنافقين واظهار اعمالهم، للنبي عليه الصلاة والمسلمين، الا ان عائشة رضي الله عنها قالت: إِذَا أَعْجَبَكَ حُسن عَمَلِ امْرِئٍ، فَقُلْ: {اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}، ومن الافضل قبل ان تمدح شخص بهذه الاية اذا رايته يحسن العمل بما يرضي الله ان تتأكد فعلًا بأن عمله لمرضاة الله عز وجل فقط. [1] [2] [3] [4]
سبب نزول ” قل اعملوا فسيرى الله عملكم “
قال تبارك وتعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة:105] اما سبب الاية، والواقعة التي حدثت فيها فهو غير صريح، واما العبرة من الاية الكريمة فقد فسرها بعض الشيوخ على انها تهديد للمنافقين فقط الذين يظهرون الخير ويضمرون الشر، والبعض الاخر رأى ان هذه الاية جامعة بين الترهيب وبين الترغيب
لا يحل لنا الكتابة والفتوى في سبب نزول اية اذا لم يكن ذلك صريحًا مئة بالمئة من الرواية والسماع من الاشخاص الذين شاهدوا نزول الاية وبحثوا في الاسباب وعلم الاية ونقلوا العلم الينا، ويمكن العودة الى علوم القرآن للتاكد من اسباب نزول هذه الاية او غيرها من الايات الكريمة
ومعنى الاية واضح للغاية، وهو ان الله عز وجل مطلع على اعمال المسلمين، ويعرض على النبي عليه الصلاة والسلام اعمال امته، عندما يبعث الله عز وجل النبي عليه الصلاة والسلام يوم القيامة ويقف على الحوض ليسقي امته، قال: فيُذاد أناسٌ عن حوضي، فيقول: يا ربّ، أصحابي، يا ربّ، أمتي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنَّهم لم يزالوا مُرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم، قال: فأقول كما قال العبدُ الصالح يعني: عيسى عليه الصلاة والسلام: وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [المائدة:117]
اي ان الله عز وجل يعلم اعمال العبد التي يقوم بها في الدنيا، ويطلع الرسول والمؤمنين عليها يوم القيامة فيحبون اعمال الخير، ويكرهون الشر، وهذه الاية فيها ترغيب بالاعمال الصالحة واتباع اوامر الله عز وجل وتجنب نواهيه، وفيها ترهيب من اللهو والغفلة وارتكاب المعاصي ظنًا بأن الله لا يراها او لن يعاقب عليها ويجزي صاحبها الجزاء الاوفى الذي يستحقه في الدنيا والاخرة من خزي وعذاب اليم. [5] [6]
الدروس المستفادة من اية ” قل اعملوا فسيرى الله عملكم “
هذه الاية فيها عبرة للمسلمين الذين يتفكرون في معانيها، فهي لم تنزل فقط كتهديد للمنافقين الذين يخفون في صدورهم البغض والكره للمسلمين ويظهرون الخير، وقد توعد الله بفضحهم امام النبي عليه الصلاة وامام المسلمين، انما تعتبر الاية الكريمة اية للترغيب والترهيب
فالترغيب يكون عبر
- المسارعة الى رضوان الله عز وجل، واداء اعمال الخير والاحسان، قال سبحانه وتعالى ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133]، فالمسلم اليوم اذا تفكر باعماله الصالحة يجد انها يقضي وقتًا قليلًا فقط في العبادة والعمل الصالح وحياته عبارة عن لهو ولعب، والواجب على المؤمن ان يسارع في عمل الخير ولا يؤجله الى الغد
- اتباع اوامر الله، وذلك لان الله لا يخفى عليه امر في الارض ولا في السماء، وهو يجزي الشخص الذي يعمل الخير بأحسن ما يكون الجزاء، ويضاعف الحسنات، وهو الرحيم الواسع الكريم
اما الترهيب في هذه الاية عبر
- تجنب ما نهى عنه الله عز وجل، لأن الله يرى المسلمين ويطلع على اعمال العباد سواء كانت خير ام شر، وتوعد الله عز وجل بأنه سيظهر هذه الاعمال على الرسول والمؤمنين، فيخسر بذلك العبد شفاعة النبي عليه الصلاة والسلام، ويحل عليه العذاب الاليم من الله عز وجل، قال تعالى ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا ﴾ [الأحزاب: 64 – 66]
عسى ان تكون هذه الاية وسيلة كي يعقل الانسان ويختار في حياته السبيل والطريق المستقيم الذي امرنا به الله عز وجل، فلا نندم قبل فوات الاوان، ونكون من الهالكين الذين يحل عليهم العذاب من الله، قال تعالى قال تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ) [7]