قصة قصيرة بعنوان العالم الموازي

لطاما كنت أعشق الكتب وأحب قرأتها كلما أتاح لي وقتي بذلك , أكثر ما كنتُ أحبهُ هو تلك الكتب التي تتحدث عنْ عالم الخيال , أحياناً أتسائل عنْ السبب ولكنْ يبدو أنْ السبب واضح جداً , فأنا أكرهُ حياتي هذهِ , كنتُ أريد أنْ تتغير هذهِ الحياة الكئيبة والمليئة بالحزن , قرأت مرةٍ في أحد الكتب عبارة " العالم الموازي " , دفعني الفضول لأعرف ماذا تعني هذهِ الكلمة ؟ , لذا بدأت بالبحث عنْ معنى العبارة , لأتفاجئ منْ معناها , العالم الموزاي هو عالم متواجد في بعد أخر وهو نقيض عالمنا هذا , دفعني الفضول وبدأت الأفكار تداعب عقلي بكثرة الأسئلة , كيف يكون ذاك العالم الموازي ؟ كيف أكون أنا فيه ؟ هل ستكون حالتي أفضل منْ هذا العالم ؟ أسئلةٍ كثيرةٍ كانت تتراوح في عقلي وتنتظر جواباً مني , أغلقت الكتاب وذهبتُ لشرفة النافذة وصرت أحدق إلى السماء , الظلام كانْ شديداً ولكنْ نجوم السماء تخفف وحشة ذلك الظلام , صوت البحر يضرب صداهُ في أذني ليطربها بتلك الالحان الجميلة , أصغيتُ لتلاطم أمواجهِ على الصخور القريبةِ من الشاطئ , وبينما أنا أصغي لتلك الألحان أنتبهتُ إلى السماء لأجد ضوءٍ ساطعاً كان منْ غير المعتاد رؤية ذلك , في البداية ظننتُ أنها نجمةٍ ساطعةٍ فقط أو هو مجرد شهاب عابر , ولكنْ دققتُ النظر لأجد أنْ ذلك الضوء يكبر أكثر واكثر ويتجه نحوي , لسبب ما كنتُ غير خائفةٍ ربما لأنني أردتُ أنْ أحصل على بعض الأثارة أو التشويق لا أعرف لما كنت أشعر هكذا ربما لأنني كنتُ لا أزال متأثراً بذلك العالم الموازي وتمنيتُ أن أتواجد فيهِ لعلي أغير حياتي المملة هذهِ والتي لا يوجد فيها سوى الألم والحزن والمعاناة .

ذلك النجم يقترب أكثر وأكثر صرتُ أسمع أصوات الناس في الخارج بينْ خائفٌ وبين قلقٌ وبين حائرٌ , كلماتهم واضحةٍ جداً , النجم أقترب أكثر وأكثر ومنْ دون سابق أنذار يسقط على الأرض ليحصل أنفجار ضخم يهز أرجاء القرية التي أعيش فيها , فتحتُ عيناي لأجد نفسي لا أزال على قيد الحياة , ولكنْ المنازل قد حطمت , خسرت والدتي بعد أنْ حمتني بجسدها ,الجثث والأشلاء والدماء في كل مكان ...هل يعقل أنني الوحيدة التي نجت منْ هذا الدمار !!

بدأتُ أمعن النظر في محاولةٍ يائسةٍ لأيجاد بعض البشر لا يزالون على قيد الحياة ولكنْ لا يبدو أنْ أحداً قد نجى ؟!

أقتربت من ذلك النجم وبدأتُ أحدق بهِ بدأ شكلهِ غريباً جداً , ربما هو ليس غريب , ولكنْ أنا لم يسبق لي أنْ رأيتُ مثلهُ كانْ دائرياً وضخماً جداً ذو لون مائل للون اليابسة التي لا زرع فيها ولاحياة , يمكنني رؤية تلك الشقوق بوضوح على سطحهِ , تسائلتُ في نفسي هل أنا حزينة الآن ؟ لقد خسرتُ عائلتي أذاً لما لم أبكي ؟! هل السبب أنني كرهتً هذا العالم وتمنيت زوالهِ ...هل السبب أنني كرهت تلك الأنظمة التي تُسير هذا العالم وتمنعهُ من التطور , ما هو السبب ياترى ؟ تساؤولات كثيرةٍ كانت تدور في عقلي أوقفها أنبثاق شعاعاً من جهة اليسار لذلك النجم ...أقتربتُ بخوف وقلق إلى حيث مصدر ذلك الشعاع لأرى شكلاً غريباً ... سطحاً مختلفاً عن بقية أجزاء النجم , بدا كما لو أنهُ بوابةٍ لعالم ما ..الشعاع يسطع منها وبقوة ... حاولتُ لمسهُ بعد عدد من الترددات التي صاحبتني وقتها وأنا أنظر لجمال ذلك الجزء منْ النجم وتلك الألوان التي تصاحب ذلك الشعاع القوي ....ما أنْ لمستهُ حتى بدأ يسحبني بقوةٍ , حاولت الهرب ولكنْ عبثاً كانتْ محاولتي فقد سحبني ذلك النجم لداخلهِ .

أستيقظتُ لأجد نفسي في عالماً غير العالم الذي كنتُ أعيش بهِ , تتسألون كيف عرفتُ أنهُ غير عالمي ؟ ...ببساطة لأن في عالمي لم تكنْ السيارات تطير في الهواء , ولم يكن البشر يسيرون في الجو ... هل هذا حلم ؟! هذا ما بدر لي في أول وهلةٍ (( لا )) ولكنْ صوتٌ منْ خلفي قال تلك الكلمة , ألتفتُ اليهِ لأجدهُ بشرياً نعم بدا بشرياً! ...سألتهُ منْ يكونْ ؟ وماهو هذا العالم ؟ أجابني ببضع كلمات جعلتني في حيرةٍ منْ امري كلماتهُ كانتْ واضحةٍ لي (( أنتي في عالماً موازي لعالمك )) قال عالم موازي ...نعم سمعتهُ يقولها ....هل هو حقاً عالماً موازي لعالمي ؟!! نعم يبدو كذلك , فهذا العالم يبدو أفضل منْ عالمي ..علامات السعادة والبهجة أرتسمت على محياي , أستغرب ذلك الفتى مني لما هذهِ السعادة وقد خسرتُ عالمي قبل قليل ؟ ...لم أعيرهُ أي أهتمام بل تابعتُ سيري .... كنتُ سعيدةٍ جداً فأخيراً أنا في عالم أفضل منْ عالمي ...أخيراً يمكنني تحقيق ما أريدهُ منْ أحلام ..فما دام عالمي هو السيء حتماً هذا العالم هو الأفضل .... هذا ما كنتُ أفكر بهِ .... ولكنْ سرعان ما تغير تفكيري !! أنا أرى حالات القتل في كل مكان ؟!! ...الأمر عادي هنا ..لا قوانين تحكم هذا العالم ..كل شخص مسؤول عنْ نفسهِ , لا عقاب على الجريمة ... ما هذا العالم ؟ يفترض أن هذا العالم هو عالمٌ مثالي ..أذاً لما يحدث هذا ؟! , لماذا لا أحد يحاسب ؟ لماذا لا توجد قوانين تقيد البشر هنا ؟

! (( ببساطة لأن العالم أفضل منْ دون قوانين تحكمهُ )) ألتفت لأجد ذلك الشاب الذي ظهر لي بداية تواجدي هنا .... هذا غير صحيح كانتْ أول كلمات خطرت ببالي ... ما الذي أقولهُ أنا ؟!! كيف غير صحيح ألم أكنْ أكرهُ تلك القوانين التي تحكمت في سير العمل في عالمي ...فلماذا أقول الآن هذا غير صحيح ؟! (( مابك أيتها الفتاة ,أليس هذا هو العالم الذي تمنيتهِ , عالماً خالي من القوانين , عالماً يعيش البشر فيهِ كما يريدون )) لا ... صرخت بقوةٍ ليس هذا ما اريدهُ , لم أرغب بأنْ يقتل البشر بعضهم البعض بتلك الطريقةِ المؤلمةِ , لا أنا لا أريد هذا أنْ يحدث , دموعي بدأتْ بالأنهمار , لم أبكي على ما حدث لعائلتي وموطني ولكنْ بكيتُ على حال أولئك البشر الذين لا أعرفهم !! ..حقاً أنهُ عالماً غريباً جداً , طبيعة مشاعر الانسان المتقلبة , طيبتهُ وحنانهُ عاطفتهُ ورغبتهُ دائماً تتمكن منهُ مهما حاول أنْ يبدو شخصاً قاسياً فهي سوف تكشفهُ في النهاية , رغم أنني أدعيتُ خلاف كلامي , ولكنْ ما شاهدتهُ الآن في هذا العالم الذي ظننتهُ أنهُ عالماً مختلفاً , عالماً يفترض أنهُ أفضل منْ العالم الذي عشتُ بهِ , العالم الذي لطالما كرهتُ قوانيهِ الأنانية , ولكن الآن وأنا أشاهد هذا العالم , العالم الذي يفترض أنْ يكون عالماً موزاياً لعالمي , العالم الذي يفترض أنْ يكون أفضل منْ عالمي السابق , أذاً لماذا يبدو أسوء ؟! ...علم الفتى ما أفكر بهِ فأجابني (( ليس كونْ العالم موازياً لعالمك يعني أنهُ أفضل , نحنْ البشر منْ نحدد العالم الذي نعيش بهِ , نحنْ منْ نتحكم بهِ , نحنْ منْ أنشأنا تلك القوانين ونحنْ منْ نخالفها , الحياة الجميلة موجودةٍ في كل مكان , ولكنْ منْ الشخص الذي سوف يحظى بها ؟ ... يمكنكِ أنتِ وأنا وغيرنا أنْ نحظى بتلك الحياة أنْ تمكنا من تجاوز الأمور ببساطة أنْ تجاوزنا خلافاتنا , أنْ طبقنا القانون وحافظنا عليه , يمكننا ذلك وقتها لنْ نبحث عنْ ما يسمى العالم الموازي أو العالم المثالي , أزرع زهور الحب والامل والتفائل , زهور الحياة ولو كانتْ في غير موضعها , فلنْ يضيع أبداً كل ماهو جميل ))

كلماتهُ ترسخت عميقاً في داخلي , وكأنني كنتُ أحتاج لهذهِ الدفعة منْ الأمل , دفعةٍ منْ العيش كأي أنسان ,دفعةٍ منْ تلك السعادة .... لا يهم أي عالم نعيش بهِ , فحياتنا نحنْ الوحيدون القادرون على رسمها , والخيار لك لرسمها بأي طريقةٍ تريدها ...أمسك قلمك وأبدع ودع الحياة تجري كما تريد ....

فجأةٍ عاصفةٍ قويةٍ تهب بالمكان وتدمر كل شيء ..ذلك الفتى غاب في تلك العاصفة صرختُ بأعلى صوتي لأفتح عيناي وأجد نفسي في غرفتي نائمةٍ وبيدي ذلك الكتاب الذي أحببتهُ , نهضتُ مسرعةٍ إلى النافذة لأجد الحياة كما هي ! , لا يوجد ذلك النجم , المنزل كما هو ...أسرعت إلى الأسفل لأرى والدتي بإبتسامتها المشرقة وقد أعدت لنا الأفطار (( ما بك عزيزتي ؟ )) أسرعتُ إلى حضنها والدموع في عيني ..أستغربت والدتي منْ تصرفي معها لن ألومها على أستغرابها , فأنا لم يسبقْ لي أنْ قمتُ بذلك لها منْ قبل ..... أمي شكراً لك على كل شيء ...والدتي لم تقلْ شيء بل قامت بحضني إلى صدرها ...بالفعل لا يهم العالم الذي أعيش بهِ , ما يهم هو كيف علي أنْ أعيش بهِ ..... يقال أنْ هنالك مواقف وأحداث أيقظتنا وصنعتنا منْ جديد ..وهذا ما حدث معي ..ذلك الحلم الغريب , ذلك العالم الموازي , أيقظني وأعاد لي الحياة ....الحياة التي كنتُ أبحث عنها وهي كانتْ أمام عيني ..... الحياة التي كنتُ أراها بمنظور أخر ....ها هي تكشفُ نفسها وأنها كما هي لم تتغير ولكنْ أنا منْ كانْ يعمي بصيرتهُ عنها , أنا منْ حاول تجاهلها باحثاً عنْ ذلك العالم , العالم الموازي الذي أعتقدتُ أنهُ الأفضل ....

الحياة هبةٍ منْ الله فلا تضيعها بأمور لا نفع منها , لا تلمْ الحياة أنْ لم تسري كما تريد فأنتَ منْ يحدد سيرها بتصرفاتك , أفعالك , مشاعرك , معامتلك للأخرين , أنتَ منْ يحدد كل ذلك ، الزمام بيدك الآن فأنطلق ودع الحياة تجري كما تريد , فالحياة لنْ تكون الا لحظةٍ نقف فيها منْ أجل الأنتقال للحياة الأخرى ..فمهما كانتْ الظروف التي مررتْ بها ومهما عكرت لنا صفاء الحياة وجمالها فلا تيأس أو تحزنْ فهذهِ هي الحياة فمهما بدا الحزن مسيطر عليها حتماً سيأتي الفرح ليطرد الحزن لا نحتاج لعالماً موازي للهرب منْ عالمنا ... يمكننا ببساطةٍ أنْ نجعل عالمنا هو العالم الافضل .