سنروي لكم اليوم حكاية الرجل الأموي الكبير في قومه مع الخليفة هارون الرشيد، و كيف استسلم الرجل لقضاء الله و قدره، و قدّم قدميه طائعاً ليوضع فيهما القيد حين استدعاه الرشيد، و كان الرجل في كلّ ذلك متوكلاً على الله، حتى جاءت النهاية مفاجأة.
رُفع إلى الرشيد أنّ بدمشق رجلاً من بني أمية عظيم المال و الجاه كثير الخيل و الجند يُخشى على المملكة منه، و كان الرشيد يومئذ بالكوفة، قال "منارة" خادم الرشيد: فاستدعاني الرشيد و قال: اركب، الساعةَ، إلى دمشق و خذ معك مئة غلام و ائتني بفلان الأموي، و هذا كتابي إلى العامل "والي دمشق" لا توصله له إلا إذا امتنع عليك "رفض الرجل الأموي إطاعة الأمر"، فإذا أجاب فقيّده و عادله بعد أن تحصي جميع ما تراه و ما يتكلم به، و اذكر لي حاله و مآله و قد أجلتك لذهابك ستّاً "ستة أيّام" و لمجيئك ستّاً، و لإقامتك يوماً، أفهمت؟ فقلت: نعم، قال: فسر على بركة الله.
فخرجتُ أطوي المنازل ليلاً و نهاراً لا أنزل إلا للصلاة، حتى وصلت ليلة اليوم السابع باب دمشق، فلمّا فُتِح الباب دخلت قاصداً نحو دار الأموي، فإذا هي دار عظيمة هائلة و نعمة طائلة و خدم و حشم و هيبة ظاهرة و حشمة وافرة و مصاطب متسعة، و غلمان فيها جلوس، فهجمت على الدار بغير إذن فبهتوا و سألوا عني فقيل لهم: إنّ هذا رسول أمير المؤمنين، فلما صرت في وسط الدار رأيت أقواماً محتشمين فظننت أنّ المطلوب فيهم، فسألت عنه فقيل لي: سيأتي الآن، فأكرموني أجلسوني و أمروا بمن معي و من صحبني إلى مكان آخر، و أنا أنتقد الدار و أتأمل الأحوال.
حتى أقبل الرجل و معه جماعة كثيرة من كهول و شبان و حفدة و غلمان، فسلّم عليّ و سألني عن أمير المؤمنين، فأخبرته أنّه بعافية فحمد الله تعالى، ثمّ أُحضرت له أطباق الفاكهة فقال: تقدّم يا منارة، كُلْ معنا، فتأملت تأملاً كثيراً، إذ لم يكنِّني فقلت: ما آكل، فلم يعاودني، و رأيت ما لم أره إلا في دار الخلافة، ثمّ قُدّم الطعام فوالله ما رأيت أحسن ترتيباً و لا أعطر رائحة و لا أكثر آنية منه، فقال: تقدّم يا منارة فكُلْ، قُلت: ليس لي به حاجة، فلم يعاودني، و نظرت إلى أصحابي فلم أجد أحداً منهم عندي فحرت لكثرة حفدته و عدم من عندي، فلمّا غسل يديه أُحضر له البخور فتبخر ثمّ قام فصلى الظهر فأتم الركوع و السجود و أكثر من الركوع بعدها.
فلمّا فرغ استقبلني و قال: ما أقدمك يا منارة؟ فناولته كتاب أمير المؤمنين فقبله و وضعه على رأسه، ثمّ فضه و قرأه، فلمّا فرغ من قراءته استدعى جميع بنيه و خواص أصحابه و غلمانه و سائر عياله، فضاقت الدار بهم على سعتها فطار عقلي و ما شككت أنّه يريد القبض علي، فقال: الطلاق يلزمه و الحج و العتق و الصدقة و سائر إيمان البيعة لا يجتمع منكم اثنان في مكان واحد حتى ينكشف أمره، ثمّ أوصاهم على النساء ثمّ استقبلني و قدّم رجليه، و قال: هات يا منارة قيودك، فدعوت الحداد فقيده و حُمل حتى وضع في المحمل و ركبت معه و سرنا.
أمّا ما حدث بعد ذلك من أحداث هذا ما ستعرفونه في الحكاية القادمة.
يتبع....
رُفع إلى الرشيد أنّ بدمشق رجلاً من بني أمية عظيم المال و الجاه كثير الخيل و الجند يُخشى على المملكة منه، و كان الرشيد يومئذ بالكوفة، قال "منارة" خادم الرشيد: فاستدعاني الرشيد و قال: اركب، الساعةَ، إلى دمشق و خذ معك مئة غلام و ائتني بفلان الأموي، و هذا كتابي إلى العامل "والي دمشق" لا توصله له إلا إذا امتنع عليك "رفض الرجل الأموي إطاعة الأمر"، فإذا أجاب فقيّده و عادله بعد أن تحصي جميع ما تراه و ما يتكلم به، و اذكر لي حاله و مآله و قد أجلتك لذهابك ستّاً "ستة أيّام" و لمجيئك ستّاً، و لإقامتك يوماً، أفهمت؟ فقلت: نعم، قال: فسر على بركة الله.
فخرجتُ أطوي المنازل ليلاً و نهاراً لا أنزل إلا للصلاة، حتى وصلت ليلة اليوم السابع باب دمشق، فلمّا فُتِح الباب دخلت قاصداً نحو دار الأموي، فإذا هي دار عظيمة هائلة و نعمة طائلة و خدم و حشم و هيبة ظاهرة و حشمة وافرة و مصاطب متسعة، و غلمان فيها جلوس، فهجمت على الدار بغير إذن فبهتوا و سألوا عني فقيل لهم: إنّ هذا رسول أمير المؤمنين، فلما صرت في وسط الدار رأيت أقواماً محتشمين فظننت أنّ المطلوب فيهم، فسألت عنه فقيل لي: سيأتي الآن، فأكرموني أجلسوني و أمروا بمن معي و من صحبني إلى مكان آخر، و أنا أنتقد الدار و أتأمل الأحوال.
حتى أقبل الرجل و معه جماعة كثيرة من كهول و شبان و حفدة و غلمان، فسلّم عليّ و سألني عن أمير المؤمنين، فأخبرته أنّه بعافية فحمد الله تعالى، ثمّ أُحضرت له أطباق الفاكهة فقال: تقدّم يا منارة، كُلْ معنا، فتأملت تأملاً كثيراً، إذ لم يكنِّني فقلت: ما آكل، فلم يعاودني، و رأيت ما لم أره إلا في دار الخلافة، ثمّ قُدّم الطعام فوالله ما رأيت أحسن ترتيباً و لا أعطر رائحة و لا أكثر آنية منه، فقال: تقدّم يا منارة فكُلْ، قُلت: ليس لي به حاجة، فلم يعاودني، و نظرت إلى أصحابي فلم أجد أحداً منهم عندي فحرت لكثرة حفدته و عدم من عندي، فلمّا غسل يديه أُحضر له البخور فتبخر ثمّ قام فصلى الظهر فأتم الركوع و السجود و أكثر من الركوع بعدها.
فلمّا فرغ استقبلني و قال: ما أقدمك يا منارة؟ فناولته كتاب أمير المؤمنين فقبله و وضعه على رأسه، ثمّ فضه و قرأه، فلمّا فرغ من قراءته استدعى جميع بنيه و خواص أصحابه و غلمانه و سائر عياله، فضاقت الدار بهم على سعتها فطار عقلي و ما شككت أنّه يريد القبض علي، فقال: الطلاق يلزمه و الحج و العتق و الصدقة و سائر إيمان البيعة لا يجتمع منكم اثنان في مكان واحد حتى ينكشف أمره، ثمّ أوصاهم على النساء ثمّ استقبلني و قدّم رجليه، و قال: هات يا منارة قيودك، فدعوت الحداد فقيده و حُمل حتى وضع في المحمل و ركبت معه و سرنا.
أمّا ما حدث بعد ذلك من أحداث هذا ما ستعرفونه في الحكاية القادمة.
يتبع....