ما الحكمة من الامر بكتابة السنة
الحكمة من الامر بكتابة السنة أن النبي خشي على البعض النسيان.
نهى النبي عن كتابة السنة في فترة من الفترات وقد وضح العلماء الأسباب، ولكن نُسخ الحكم، حيث أمر صلَّ الله عليه وسلم بكتابة السنة، ترى ما الحكمة من الامر بكتابة السنة النبوية ؟ لقد أباح الرسول كتابة السنة لمن خشي عليه نسيانها، فقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلَّ الله عليه وسلم عند فتحه لمكة فقام وخطب في الناس، فقام رجل فقال : اكتبوا لي يا رسول الله، فقال رسول الله صلَّ الله عليه وسلم : (اكتبوا له).
يدَّعي البعض أن السنة النبوية لم تُكتب في عصر النبي صلَّ الله عليه وسلم، ولكن هذا غير صحيح، قال أبي هريرة رضي الله عنه : (ما من أصحاب النبي صلَّ الله عليه وسلم أحد أكثر حديثً عنه مني، إلا ما كان من عبدالله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب)، بالإضافة لما ورد عن عبدالله عمرو بن العاص رضي الله عنه :
يقول عبدالله بن عمرو رضي الله عنه : (كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلَّ الله عليه وسلم أريد حفظه فنهتني قريش، وقالوا : تكتب كل شيء سمعته من رسول الله صلَّ الله عليه وسلم ورسول الله بشر يتكلم في الغضب والرضا، فأمسكت عن الكتابة، فذكرت ذلك لرسول الله صلَّ الله عليه وسلم، فأومأ بإصبعه إلى فيه، وقال : اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق)، علاوةً على الكتب التي كتبها صلَّ الله عليه وسلم بنفسه إلى الأمراء الذين عينهم على الأقاليم وكتب بها بعض الأحكام والشرائع.
النهي عن كتابة السنة
لم يرد في النهي عن كتابة السنة النبوية أدلة سوى بعض الأحاديث الضعيفة، والحديث الوحيد الثابت هو ما رواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلَّ الله عليه وسلم قال : (لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه).
علَّق دكتور سليمان بن عبدالله القصير (عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) على حديث أبي سعيد الخدري وقال أن عددًا لا يستهان به من الأئمة ومن بينهم البخاري رجحوا عدم صحة هذا الحديث، لأن قول الصحابي ليس حجةً مأخوذًا بها كقول الرسول صلَّ الله عليه وسلم، بالتالي لا يؤخذ به في حين ورود أحاديث عديدة صحيحة عن الأمر بكتابة السنة ومرفوعة إلى النبي صلَّ الله عليه وسلم.
حتى ولإن كان حديث النهي عن الكتابة منسوبًا إلى النبي صلَّ الله عليه وسلم فقد بيَّن العلماء السبب : على سبيل المثال: ورد النهي في بداية الإسلام، ونهى النبي عن كتابة السنة حتى لا يختلط على الناس الحديث مع القرآن، فلا يستطيعون التفرقة بينهما لأنهم حديثي عهد بالإسلام، وعندما كثر حفاظ القرآن الكريم، واستطاع الناس تمييز القرآن عن غيره من أقوال النبي، أمرهم صلَّ الله عليه وسلم بالكتابة.
هناك رأي آخر تباه بعض العلماء في هذا الشأن، وهو أن النهي قد يكون عن كتابة الحديث والقرآن في صحيفة واحدة، حيث أن النبي صلَّ الله عليه وسلم كان يلقي عليهم تفسير الآيات في أثناء تلقينهم القرآن الكريم، فربما نهاههم عن كتابته خوفًا أن يشتبه عليهم، فقد قال صلَّ الله عليه وسلم : (لا تكتبوا شيئاً غير القرآن)، ولم يقل لا تكتبوا غيره قط، هو فقط أمرهم بكتابة القرآن فقط ولسببٍ ما، لا يتعارض هذا السبب مع أمره بكتابة السنة.
من ناحية أخرى فقد ثبت أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان يكتب الحديث عن النبي صلَّ الله عليه وسلم بأمره، ولما توقَّف أعاد صلَّ الله عليه وسلم الأمر مرةً أخرى، من هنا نخلص إلى أن الأمر بكتابة السنة ثابت ولا خلاف عليه، وإن كان هناك أمر بالنهي عن الكتابة، فقد نُسخ بعد ذلك.[1][2]
الفرق بين كتابة السنة وتدوينها
الكتابة هي مطلق كتابة النصوص، أم التدوين فهو جمع النصوص وترتيبها.
هناك فرق بين الامر بكتابة السنة، والأمر بتدوينها، حيث أن الكتابة هي مطلق كتابة النصوص، أم التدوين فهو جمع النصوص وترتيبها، فالسنة النبوية كُتبت بين يدي الرسول صلَّ الله عليه وسلم وبأمره، أما التدوين فقد بدأ أول ما بدأ في نهاية القرن الأول عندما أمر الخليفة عمر بن عبدالعزيز بتدوين السنة النبوية، يقول ابن حجر العسقلاني رحمه الله : (أوَّلُ مَنْ دَوَّنَ الحديثَ ابنُ شهابٍ الزهري على رأسِ المائة بأمرِ عمرَ بنِ عبد العزيز، ثم كَثُرَ التَّدوين، ثم التَّصنيف، وحصل بذلك خيرٌ كثير فلله الحمد).
كتب عبدالعزيز بن مروان إلى مُرَّة الحضرمي وقال له : (أنْ يكتبَ إليه بما سمع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحاديثهم، إلاَّ حديث أبي هريرة، فإنه عندنا)، وذلك عندما علم أنه لقي سبعين من أصحاب الرسول، مما يعني أن تدوين السنة قد بدأ فيما قبل ذلك حيث أن أحاديث أبي هريرة كانت موجودة بالفعل، فقد بدأ تدوين السنة قبل ذلك ولكن دون منهج علمي مرتب.
أكمل عمر بن عبد العزيز من بعد لك طريق والده في تدوين السنة، حيث كتب إلى أبي بكر بن حزم قائلًا : (انْظُرْ ما كان من حديثِ رسولِ اللَّهِ صلَّ الله عليه وسلم فَاكْتُبْهُ، فَإِنِّي خِفْتُ دُرُوسَ الْعِلْمِ، وَذَهَابَ الْعُلَمَاءِ، وَلاَ تَقْبَلْ إلاَّ حَدِيثَ النبيِّ صلَّ الله عليه وسلم)، وتشير رسالته إلى الدقة وتحري الحديث الصحيح عند جمعه وتدوينه، وقال الزهري: (أمَرَنَا عمرُ بنُ عبد العزيز بجمع السُّنن، فكتبناها دفتراً دفتراً، فبعث إلى كلِّ أرضٍ له عليها سلطان دفتراً).
بعد ذلك نشط تدوين السنة النبوية في العديد من بقاع الأرض، وخاصةً في منتصف القرن الثاني الهجري، وبعد ذلك صُنِّفت السنة ما بين مقطوعٍ، وموقوفٍ، ومرفوعٍ إلى النبي صلَّ الله عليه وسلم.[3]
ما الحكمة من الامر بتدوين السنة
- لا يوجد مانع لتدوين السنة.
- الخوف من ضياع شئ من السنة.
- الخوف من أن يختلط الصحيح بغيره.
لا يوجد مانع لتدوين السنة : انشغل المسلمون بحفظ القرآن الكريم، ونقله، وتدوينه، وربما صُرفت الأنظار عن تدوين السنة النبوية لحين الانتهاء من القيام بالدور على أكمل وجه لحفظ القرآن الكريم، وحيث أنه حُفظ ودوِّن، فلم يكن هناك مانعًا، خاصةً مع أمر الخلفاء الراشدين بذلك، فإن السنة من الهدى، حيث أنها المفسرة والموضحة للقرآن الكريم، يقول تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون).
الخوف من ضياع شئ من السنة : كانت السنة النبوية محفوظة في الصدور، وكان حفَّاظها ينتشرون في جميع بقاع الأرض، وبدأوا يموتون، وخشي أميرالمؤمنين عبدالملك ابن مروان ضياع السنة فقام يخطب في الناس : ( إن العلم سيقبض قبضاً سريعاً، فمن كان عنده علم فليظهره، غير غال فيه ولا جاف عنه)، ثم رسائل عمر بن عبدالعزيز لجمع السنة، وقد قال عكرمة بن عمار : (سمعت كتاب عمر بن عبد العزيز يقول: أما بعد فأمر أهل العلم أن ينشروا العلم في مساجدهم فإن السنة كانت قد أميتت)، فقد بُذلت الكثير من الجهود لحفظ السنة حتى تصل إلينا اليوم.
الخوف من أن يختلط الصحيح بغيره : كثُرت في العصر الأموي العديد من الفرق المنحرفة التي استشهدت بالنصوص الموضوعة، وبما أن القرآن لا يمكن استخلاص أحكامه كاملةً إلى بمعرفة السنة النبوية، أدى ذلك إلى زيادة خطر اختلاط الأقوال الكاذبة بالصحيحة، بالتالي كان لزامًا على السابقين أن يدونوا السنة ويصنفوها، وكان عليهم أن يتحروا الدقة والنزاهة والصدق.
نبَّه أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز على تحري الصحة في رسالته إلى ابن حزم : (أكتب إليَّ بما ثبت عندك من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبحديث عمر)، وفي رواية أخرى :(ولا تقبل إلا حديث رسول الله صلَّ الله عليه وسلم ولتفشوا العلم ولتجلسوا حتى يعلم من لا يعلم فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرًا).[4]